الثلاثاء، دجنبر 12، 2006

المجال الجهوي


تطوان الكبرى
عناصر من أجل رسم استراتيجية لتغيير المجال الجهوي


عن بريد تطوان /بلوغ الكتروني

المسؤول أحمد المريني


يطلق اسم تطوان الكبرى على منطقة من شبه الجزيرة الشمالية بالمغرب، تتحدد بين مدينة سبتة في أقصى الشمال الشرقي وبين منطقة وادي لاو مرورا عبر الساحل نحو الشرق، ويحدها من الشمال الغربي جبل درسة. وتشمل هذه المنطقة البلدات الشاطئية – مرتيل والمضيق والفنيدق – والقرى الجبلية وكذا العاصمة الإقليمية، مدينة تطوان، عاصمة الريف القديمة، وعاصمة الحماية الإسبانية قبل الاستقلال. وقد انكب أعضاء مجموعة الخبراء على هذه المنطقة لدراسة أبرز سماتها الخاصة، وذلك انطلاقا من وجهات نظر مختلفة. تحديات العولمة واتساع رقعة الحاضرة إن الحديث عن التنمية البشرية يصب غالبا في مجرى تنمية الحواضر، ذلك أن المدينة هي مهد ومنبع غالب التغيرات التي يشهدها سير مجتمعاتنا البشرية، ومن ذلك : - أهمية ما تشتمل عليه المدينة من معرفة علمية ومهارات عملية؛ - ظهور فاعلين اقتصاديين واجتماعيين جدد؛ - توسيع رقعة الديمقراطية؛ - سرعة وتيرة التجديد والتغيير. وتخلق هذه التغيرات وشائج قوية، وذلك عبر : - التنقل والهجرة على المستوى الدولي؛ - بروز فاعلين دوليين؛ - حركة رؤوس الأموال الدولية؛ - حركة السكان. كما أن هذه التغييرات تحمل في طياتها مخاطر جماعية جديدة، منها : - التعميق من الإقصاء الاجتماعي؛ - وجود ظاهرة اقتصاد البطالة وتطور الاقتصاد الخفي غير المنظم؛ - تفاقم الفقر بين الساكنة في الوسط الحضري؛ - تخريب البيئة. إن العالم إذ يسير نحو التوحد على اختلاف مشارب سكانه وتنوع السبل التي يتبعونها في تطورهم، يشهد إعادة تشكيل للفضاء الذي لم يعد يحدده المنطقُ الإقليمي أو الوطني وحده ولا السياساتُ الرامية إلى رسم حدود وطنية أو إدارية نهائية. فأكثرُ ما يعاد بناء الفضاء على أساسه اليوم هو مخططاتُ المؤسسات الاقتصادية والمسارات التجارية وتنقلات البشر ومدى كفاءة التواصل وكفاية التوصل بالمعلومات. حدودٌ جديدة تبدو أمامها الحدود الإدارية – المصطنعة غالبا – وكأنها من عصر آخر غير عصر هذه الحقائق الاقتصادية والثقافية. هناك أيضا خطر حدوث انفصام بين المراكز والضواحي، بين المدن الكبرى ونواحيها. فالمدن الكبرى هي اليوم غالبا مرتبطة فيما بينها أكثر من ارتباط مل منها بمحيطها الريفي المباشر. فالمبادلات التي تتطور أسرع من غيرها هي على ما يبدو تلك التي تقع فيما بين المدن والعواصم، والعلاقة ما بين الحواضر والبوادي تفتر شيئا فشيئا ويوما قد تندثر بحيث إن هناك خطرا حقيقيا يتهدد هذه العلاقة بالانقطاع، انقطاعا لن يكون سببه الأزمات الاقتصادية التقليدية، بل ما تشهده ساحة المبادلات من إعادة تشكيل على المستوى الدولي. ذاك ما يدعو إلى التساؤل عن مدى وجاهة عملية رسم حدود المخططات والمجالات التي ينبغي تطبيقها فيها، إذ ما هو المستوى الزمني والمكاني الذي ينبغي يا ترى حصر تطور المدن في إطاره ؟ إن حيوية شبكة المدن القائمة مهددةٌ بفعل تجمع الساكنة في المراكز الحضرية الكبرى، ولكن كذلك من أثر نشوء أقطاب جديدة على المستوى الجهوي. وهذا الرهان يكتسي أهمية كبرى بالنسبة إلى عدد من البلدان النامية التي يجري إخضاعها لوتيرة تنموية متسارعة لم تعرف لها من قبل مثيلا، والحال أن شريحة صغيرة جدا من الساكنة النشيطة في المدن في البلدان الفقيرة هي فحسب المندمجة في الاقتصاد العالمي. ومعلوم أن النمو الاقتصادي لم يعد وحده اليوم ما ينجم عنه تركز الساكنة في المدن، بل إن تركز هاته الساكنة أضحى بدوره يفرض نشوء نمط اقتصادي جديد يطبعه تناقض، فاقتصاد يقوم على التقنية العالية، يجاوره آخر ليس هدفه الربح بل العيش فحسب، في شرخ اجتماعي لا يفتأ يزداد كل يوم عن سابقه اتساعا. ما محل التضامن بين المناطق الترابية في هذا السياق ؟ كيف يمكن يا ترى التوصل إلى التخفيف من حدة الفوارق القائمة ما بين الجهات المختلفة، وزرع الحيوية في أوصال المدن المتوسطة، والتخطيط لتطوير السياسات العمومية، خصوصا في مجال التشغيل والتكوين والنقل، والاستفادة من مزايا الشبكات ؟ ما هي السياسات الواجب اتباعها والإمكانات الواجب استعمالها في ذلك ؟ إن الاقتصاد العالمي لا يمكنه أن يصبح عاملا من عوامل الالتحام والتوازن إلا في إطار مجالات جيدة الارتباط فيما بينها، منتظمة في نطاق شبكات. فمتى كان الحال كذلك فإن المستثمرين يكون لديهم مجال للاختيار، مما يفتح بدوره الباب للتنافس بين نقاط الشبكة، مدنا كبيرة وصغيرة ومتوسطة. وبذلك فإن الشبكات الجهوية ليست فحسب آليات للتصحيح أو للتخفيف من أثر الأزمات، بل هي أيضا حافز مهم على المنافسة. فما الذي ينبغي أن تكون عليه السياسات الترابية من أجل تمهيد السبل نحو النمو دون الإخلال بمقتضيات المنطق ؟ وما هي يا ترى الظروف المؤسسية والسلطة التي ينبغي الالتحاق في ظلها بالركب الديمقراطي ؟ فالدولة من أثر ما يطبعها من ثقافة مركزية، يمكنها أن تتبع سبلا شتى في التنظيم الترابي، من التجمعات الحضرية إلى المدن الكبرى التي تهيمن على الضواحي المحيطة بها (الدار البيضاء مثلا) فالمدن المتوسطة التاريخية الموزعة توزيعا جيدا على أرض المملكة، والتي تمثل نقاط ارتكاز للهوية ومراكز لها أهميتها الثقافية (الساحل المتوسطي والمدن السلطانية). فالمدن الكبرى لم تعد مهيمنة كما كانت من ذي قبل، بل إنها تنخرط الآن في الشبكات وهي مقتنعة أن تطورها رهين بما يحصل خارج حدودها الإدارية أكثر منه بما يقع داخل تلك الحدود. غير أنه لا بد لها من أجل ذلك أن تكون قادرة على العمل بتعاون مع المدن القريبة منها، وعلى خلق أشكال جديدة من التعاون بين المجموعات السكانية. فما يدعى "شبكات المدن" هو جانب من هذه المبادرات التجديدية، سواء أتعلق الأمر بالعلاقات ما بين مدن جهة معينة أو بعلاقات بين المدن على المستوى الوطني والإقليمي وحتى الدولي. فالهدف هو أن تجري الاستفادة من مزايا تخصيب التربة الإقليمية، مع الحرص في الآن نفسه على ترسيخ الارتباط بركب الاقتصاد العالمي

0 Comments: