الثلاثاء، دجنبر 12، 2006

تحليل اخباري

السلطة في يد الملك حتى لو فاز الإسلاميون بكل المقاعد
انتخابات المغرب والتعايش بين السلطة والإسلاميين
03/10/2002 محمد جمال عرفة
كان التعليق الأساسي الذي أدلى به أكثر من سياسي في الأحزاب المغربية تعقيبًا على نتائج أول انتخابات تجري في عهد الملك الجديد (محمد السادس) وحلول حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المركز الثالث هو: "حتى لو فاز الحزب بكل المقاعد فلن يكون له أي تأثير على الحياة السياسية في البلاد!". وسبب هذا التعليق المتشائم -رغم حالة التفاؤل العامة لإجراء انتخابات تتسم بقدر من النزاهة النسبية– أن الدستور المغربي ما زال يعطي الملك حقوقًا أكبر من الحكومات، بل ويعطيه حق تعيين رئيس الوزراء وأربعة من أهم الوزراء في الحكومة؛ ما يعني أنه يحكم ويملك معًا، ويتحكم في أي حكومة حتى لو شكلها الإسلاميون. ومع ذلك؛ فلم يمنع هذا التشاؤم –بشأن توقع عدم حدوث تغيير بعد الانتخابات- مخاوف الغربيين وقوى اليمين واليسار الداخلية؛ لأنها المرة الأولى التي يفوز فيها حزب إسلامي مغربي بـ42 مقعدًا في البرلمان المغربي من بين 325 مقعدا، رغم أنه لم يشارك سوى في 60% فقط من الدوائر الانتخابية، ولأنه جاء في الترتيب الثالث بعد أكبر الأحزاب الحاكمة
وكان من الطبيعي أن تطرح التجربة تساؤلات عديدة حول مستقبل التعايش بين هذا الحزب والقوى الإسلامية عمومًا والسلطة المغربية التي يلقب ملكها بلقب "أمير المؤمنين". صحيح أن قادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي سعوا منذ البداية لتهدئة مخاوف الغربيين والقوى العلمانية الأخرى التي تحدثت -بمبالغة واضحة- عن مخاوف من تجربة مغاربية جديدة على غرار الجزائرية عام 1991، ونفوا أن يكون هدفهم هو تطبيق حدود الشريعة الإسلامية وكفى، ولكن لا يمكن أن ننكر أن فوز الإسلاميين قرع أجراس إنذار في المغرب وأوروبا بالنظر لمعطيات أخرى تتعلق بمخاوف حقيقية من صعود الإسلاميين بالتزامن مع تدهور الأحوال المعيشية.فليس سرا أن أحزاب وقوى إسلامية أخرى لم تشارك في هذه الانتخابات أو قاطعتها وعلى رأسها "جماعة العدل والإحسان" المحظورة التي تعبر عن فكر جماعة الإخوان المسلمين ولها قاعدة شعبية عريضة، فضلا عن قوى أخرى مثل "حركة التوحيد والإصلاح" الإسلامية التي تأسست عام 1996، كما أن حزب العدالة والتنمية أعلن بوضوح أنه لن يشارك في كل الدوائر خشية الخروج بنتيجة كبرى قد تقلب السلطة عليه! ولو قدر لحزب العدالة أن يشارك في كل الدوائر الانتخابية، أو شاركت جماعة العدل والإحسان القوية وبقية القوى الأخرى وجرت الانتخابات بلا مخالفات، فلا شك أن نسبة مقاعد الإسلاميين عموما كانت ستزيد وتزيد معها الهواجس الداخلية والخارجية. فقد تقدم حزب العدالة والتنمية للمنافسة في 56 دائرة فقط من ضمن 91 دائرة في كامل التراب المغربي بـ 194 مرشحا "حتى لا يشكل تهديدا للخارطة السياسية المغربية" كما قال قادته
وأكد مصطفى الرميد، رئيس الفريق البرلماني للحزب قبيل الانتخابات: إن حزبه يطمح للحصول على 30 مقعدا فقط، "حتى لا يخيف شركاءه السياسيين، وتقديرا منه للأوضاع الدولية التي لا تسمح له باكتساح البرلمان". وأضاف الرميد في تصريحات لوكالة "قدس برس" أن الحزب يتوقع أن يحصل على 40 مقعدًا، لكنه لا يحبذ ذلك، وأنه يفضل الحصول على 30 مقعدا فقط، تقديرا منه للظروف الداخلية والخارجية لبلاده، وأن ذلك هو ما جعله يتقدم للمنافسة في عدد محدود من الدوائر؛ لتأكيد عدم رغبته في اكتساح البرلمان
وسارع عبد الإله بن كيران أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الإسلامي بنفي التقارير التي وردت في وسائل إعلام أجنبية بأن حزبه سيضغط من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، وشدد في تصريحات لوكالة رويتر على أن الحزب يفضل "التطبيق التدريجي" للشريعة على مظاهر الحياة اليومية مثل حظر المشروبات الروحية ونوادي القمار واليانصيب. وختم بعبارة ذكية تضرب على الوتر الحساس في الشارع المغربي قال فيها: "نريد أن نوفر وظائف لملايين من العاطلين". ولهذا قال محللون مغاربة وحتى أعضاء في الحزب الإسلامي الفائز بأن التصويت للإسلاميين في المغرب ربما كان "تصويتا احتجاجيا" على التشكيلات السياسية التقليدية (سيطرة الاشتراكيين القريبين من الملك)، وتعبيرًا عن ضيق اجتماعي عميق بسبب الفقر والبطالة وظروف السكن الرديئة لشريحة كبيرة من السكان
وهذا ما عاد نائب رئيس الحزب الدكتور سعد الدين العثماني ليؤكده بقوله: "إن المواطنين لم يصوتوا على حزب العدالة والتنمية بهذا الشكل من أجل نشر الإسلام، ولكن من أجل إيجاد الحلول لمشاكل التشغيل والبطالة واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وزرع الثقة المطلوبة في البلاد والدفع بكل وسائل التنمية إلى الأمام
قراءة في النتائج
خاض غمار هذه الانتخابات 26 حزبًا بالإضافة إلى المستقلين من أجل الفوز بـ 325 مقعدًا، وفق نمط الاقتراع بالتمثيل النسبي باللائحة، من بينها 295 مقعدًا في 91 دائرة و30 على مستوى اللائحة الوطنية المخصصة للنساء.وبحصول حزب العدالة والتنمية على 42 مقعدًا في انتخابات 2002 يكون قد ضاعف عدد نوابه بأكثر من 3 مرات، محققًا زيادة بنسبة 366% مقارنة مع نتائج انتخابات 1997 التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بـ 9 مقاعد فقط.أيضًا رفع حزب الاستقلال (القريب نسبيًّا من التيار الإسلامي) عدد مقاعده بمجلس النواب من 32 مقعدًا سنة 1997 إلى 47 مقعدًا في انتخابات هذه السنة، أي بزيادة وصلت 47%. فيما أخفقت أغلب الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي في المحافظة على عدد المقاعد التي حصلت عليها في انتخابات 1997؛ حيث خسر حزب الاتحاد الاشتراكي 7 مقاعد في انتخابات 2002 مقارنة مع اقتراع 1997 التي حصل فيه على 57 مقعدًا.كما خسر حزب التجمع الوطني للأحرار 5 مقاعد وحزب الحركة الشعبية 13 مقعدًا. ويعتبر حزب الاتحاد الدستوري أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات -على حد قول صحيفة "التجديد" المغربية الصادرة عن حزب حركة التوحيد والإصلاح الإسلامي يوم 3 أكتوبر الجاري- حيث فقد 34 مقعدًا خلال انتخابات هذه السنة، ولم يحصل سوى على 16 مقعدًا مقارنة مع 50 مقعدًا فاز بها في انتخابات 1997!وتشير نتائج هذه الانتخابات أيضًا إلى محافظة اليسار المغربي بألوانه المتعددة على نفس عدد المقاعد بمجلس النواب حيث حصل على 83 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة مقابل 82 مقعدًا في انتخابات 1997، وكان حزب العدالة والتنمية أيضا الوحيد الذي فاز في 4 دوائر بمقعدين (وكيل اللائحة والثاني في الترتيب)، كما حدث في دوائر: الفداء درب السلطان، وآنفا الدار البيضاء، ودائرة عين السبع الحي المحدي، ودائرة طنجة أصيلة
ومن العلامات الهامة أيضا أن مرشحة الحزب الإسلامي فازت؛ حيث فازت النائبة "فاطمة بلحسن" المرشحة الوحيدة عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي في اللوائح المحلية خلافًا لجميع الأحزاب الأخرى، كما فازت 5 نساء أخريات من القائمة الوطنية للحزب. ووفقا للنتائج أيضا التي لم يغط حزب العدالة والتنمية سوى 56 دائرة منها من أصل 919، بنسبة 61.5% من مجموع الدوائر على المستوى الوطني، فيما غطى كل من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال كل الدوائر الانتخابية، يلاحظ أن الحزبين الكبيرين السابقين لم يتقدما على حزب العدالة والتنمية الذي احتل المرتبة الثالثة إلا بثمانية مقاعد وخمسة مقاعد على التوالي (50 مقعدًا بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، و47 مقعدًا بالنسبة لحزب الاستقلال
نتائج الانتخابات المغربية - سبتمبر 2002
الحزب المقاعد في 2002 المقاعد في 97 ملاحظات
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 50 57 خسر 7 مقاعد
حزب الاستقلال 48 32
التجمع الوطني للأحرار 41 36 خسر خمسة مقاع
حزب العدالة والتنمية 42 14 زاد عدد مقاعده بنسبة 366
الحركة الشعبية 27 38 خسر 11 مقعد
الحركة الوطنية الشعبية 18 7
الاتحاد الدستوري 16 50 يعد أكبر الخاسرين بنسبة 34 مقعد
الحزب الوطني الديمقراطي 12
جبهة القوى الديمقراطية 12
حزب الاتحاد الديمقراطي 9
حزب التقدم والاشتراكية 11
حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية 7 32
الحزب الاشتراكي الديمقراطي 6
حزب العهد 5
حزب رابطة الحريات 4
حزب الإصلاح والتنمية 3
حزب اليسار الاشتراكي الموحد 3
الحزب المغربي الليبرالي 3
حزب القوات المواطنة 2
حزب البيئة والتنمية 20
حزب الشورى والاستقلال 2
حزب المؤتمر الاتحادي 1
الحكم ليس الهدف
مع أن قادة حزب العدالة الإسلامي توقعوا أن تستمر نفس التشكيلة الائتلافية السابقة بقيادة الحزب الاشتراكي في قيادة دفة البلاد عقب الانتخابات (أحزاب: الاشتراكي والأحرار الديمقراطيين..)؛ ما يعني عدم مشاركتهم في الحكومة المقبلة، فهم لم يخفوا رغبتهم بالمشاركة في الحكومة المقبلة؛ كونهم الثالث في الترتيب في عدد مقاعد البرلمان، ولكنهم وضعوا عددا من الشروط للمشاركة، لخصها قادة الحزب في عدم المشاركة مع الحزب الاشتراكي الحاكم حاليا في أي حكومة حتي وإن لم يكن يقودها
ويفسر محللون هذا الرفض الضمني من جانب الحزب الإسلامي للمشاركة في الحكومة المقبلة (على اعتبار أنه من الصعب تلبية شروطه، واستبعاد أكبر حزب في البرلمان) بأن هدف الحزب ليس في الوصول للسلطة، بقدر ما هو التأثير فيها، فضلا عن قناعتهم بأن الظروف الدولية الحالية لا تسمح لهم بالعمل بحرية في السلطة.وهنا نشير إلى ما ذكرته صحيفة "لوماتان" المقربة من الديوان الملكي عقب الانتخابات؛ حيث أكدت أن "مشاركة إسلاميين في الحكومة ليست مسألة يسهل تصورها في الوقت الحاضر
حيث قال مصطفى الرميد رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية عن إمكانية مشاركة حزبه في الحكومة القادمة: "إن ذلك يتعلق بأسباب متعددة، منها أن يعرض على حزبه المشاركة في الحكومة المقبلة، وأن يكون الحزب المشكل للحكومة غير متناقض أيديولوجيا وسياسيا مع حزبه". ونفى الرميد أن يكون حزبه يرغب في الحصول على المرتبة الأولى أو أن يشكل هو الحكومة قائلا: "نرفض أن نكون الأوائل في هذه المرحلة، ونرفض أن نكون من يتحمل المسؤولية الأولى في هذا الظرف"، مرجعًا ذلك إلى أن الوضع الداخلي والموقف الخارجي لا يسمح بذلك في هذه المرحلة
أما "سعد الدين العثماني" نائب الأمين العام للحزب فقد قال لصحيفة التجديد المغربية: "إن الحديث الآن عن المشاركة في الحكومة سابق لأوانه، في انتظار اتضاح معطيات المشهد السياسي نهائيا والجهة التي ستتكلف بتشكيل الحكومة المقبلة وبيان توجهاتها الجديدة وبرنامجها. وعلى الرغم من أن المشاركة واردة، كما أن عدم المشاركة وارد أيضا، فإني أستبعد المشاركة في حكومة يرأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية". وأرجع سعد الدين العثماني عدم مشاركة حزب العدالة والتنمية في أي حكومة يقودها الاتحاد الاشتراكي إلى سببين اثنين يراهما كفيلين بجعل حزبه يختار عدم المشاركة: الأول: بسبب "الاختلافات الموجودة بين الحزبين في العديد من القضايا سواء منها المرتبطة بقضايا المرجعية الإسلامية وأولويات مقاومة الفساد الإداري والمالي ومقاربة تلك المقاومة، وقضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وغيرها من القضايا الأخرى". والسبب الثاني: "أن الحكومة السابقة التي كان يديرها ويرأسها الاتحاد الاشتراكي قد فشلت فعلا في تدبير الشأن العام للبلاد، وعمقت أزمته الاقتصادية والاجتماعية. وإن استمرار نفس الحكومة بنفس القيادة السابقة سيزيد من استمرارية ذلك الفشل
وكان محمد اليازغي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد أدلى لبعض المصادر الإعلامية بما يفيد استحالة حصول أي احتمال لتحالف حزبه مع حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي اعتبرته قيادات العدالة والتنمية تصريحات متسرعة، مستغربة هذه المواقف السلبية؛ إذ قد يضطر هذا الحزب إلى تغييرها مستقبلا
أيضًا أدلى زعماء حزب العدالة بتصريحات تركز على أن هدفهم ليس السلطة بقدر ما هو السعي لتقديم أفكار وحلول لمشاكل البلاد سواء جاء هذا عبر المشاركة في السلطة أم لا، بل إن التحفظ على المشاركة مع الحزب الاشتراكي في الحكومة المقبلة استند إلى إفلاس هذا الحزب في الفترة التي قضاها في الحكم وعدم قيامة بوضع أو تنفيذ أي حلول لهذه المشاكل.التعايش أصبح ممكنا يتميز المغرب دون غيره من بقية البلدان العربية بإطلاق لقب "أمير المؤمنين" على اسم الملك؛ الأمر الذي دفع الأوساط الحاكمة لإشاعة فكرة أنه لا أحد يتحدث باسم الإسلام غير الملك. وقد ترتب على ذلك رفض قيام أحزاب إسلامية أو السماح لقيادات إسلامية أخرى بمنازعة الملك ومعارضته في الشئون الإسلامية العامة، ومن هنا جاء البطش بحركة العدل والإحسان المغربية وزعيمها عبد السلام ياسين؛ لأنه تناول في خطبه وبيانات حركته الملك بالنقد. ورغم قبول السلطة تدريجيا في أواخر عهد الملك الحسن السابق بفكرة وجود أحزاب إسلامية معترف بها رسميًّا، خصوصا مع تصاعد المد الإسلامي في كل أرجاء المنطقة، والتخوف من انتقال عدوى العنف من الجزائر إلى المغرب؛ فقد ظل التعامل مع حزب العدالة والتنمية ومع حركة التوحيد والاصلاح يجري بنوع من التجاهل وعدم القبول. ومن الطبيعي في ضوء التقدم الكبير للقوى الإسلامية أن ترسخ نتائج هذه الانتخابات في النهاية، كما يقول مصطفى الرميد رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية: "فكرة قبول سلطة أمير المؤمنين بأحزاب أخرى تتحدث باسم الإسلام بعدما كان هذا حكرا على أمير المؤمنين في عهد العاهل المغربي الراحل الملك الحسن؛ ما يعني أن هناك قبولا لمبدأ التعايش من جانب السلطة مع قوى إسلامية بصرف النظر عن مساحة الحركة التي سيتم السماح لها به مستقبلا
ولهذا عندما سألت "إسلام أون لاين.نت" محمد الجوهري رئيس فريق مجلس المستشارين بمجلس النواب المغربي وعضو الحزب: "هل تعتقدون أن نتائج الانتخابات الأخيرة وتقدم حزب العدالة الإسلامي يمكن أن يقدم نموذجا للتعايش بين السلطة والإسلاميين في بلد عربي؟" قال: "نعم".. وأضاف "إن حزب العدالة والتنمية المغربي قدم الدليل في أكثر من مرة وعلى مستوى تصريحات قيادية وفي جميع المناسبات على أنه يؤدي رسالة اجتماعية وثقافية تصب في تنمية البلاد وتطوير الديمقراطية". و"إن التعايش بين حزب العدالة والتنمية وجميع الأحزاب المغربية اليسارية واليمينية منها أمر طبيعي عندنا؛ ولهذا فكل التوافقات السياسية والتكتلات واردة مع المجموعة الاشتراكية".بل إن بعض السياسيين المغاربة يرون أن الظروف التي تمر بالمغرب من تدهور اقتصادي وارتفاع حاد في البطالة وتدهور في العلاقات مع دول الجوار (أسبانيا)، من الأسباب التي قد تدفع السلطة للاستقواء بهذه القوى بدل الصدام معها، وفتح الطريق لممارسة ديمقراطية نسبية تخفف حالة الاحتقان في البلاد طالما استمرت أوراق اللعب في يد الملك كما هي!الأوراق في يد الملك
ورغم حالة التفاؤل العامة بالنتائج، وأنها مقدمة لتغيير ما، أو مؤشر على بداية عهد الملك الجديد بالتحول الديموقراطي في النظام، خصوصا أن شعبية محمد السادس تقوم في الأساس على رغبته المعلنة في التحول الديمقراطي ومساندة المحرومين في صفوف الشعب.. فقد استمرت الهواجس من بقاء الحال على ما هو عليه في ظل السلطات الضخمة للملك. صحيح أن الملك اتخذ قرارات، وأطلق تصريحات ديمقراطية حول بعض مشاكل الحريات المزمنة ترسخت في الأذهان كقطيعة مع الماضي، مثل إنهاء الإقامة الجبرية للزعيم الإسلامي الشيخ "عبد السلام ياسين" وعودة المعارض "إبراهيم صرفاتي" من منفاه الإجباري، ثم إبعاد وزير الداخلية الواسع النفوذ "إدريس البصري" الذي كان الرجل الأول لدى الحسن الثاني، إلا أن هناك أمورا أخرى خيبت الآمال.. فقد تأثرت صورة الملك الديموقراطية بسبب القمع العنيف غير المبرر للمظاهرات السياسية، والمماطلة في ملف السجناء السياسيين السابقين والمخطوفين خلال الفترة المعروفة بـ "سنوات الرصاص"، فضلا عن إيقاف العديد من الصحف في المغرب، ومنها كل مطبوعات حركة العدل والإحسان تقريبا.أيضا استمرت القيود وعدم الاعتراف بأكبر حركة إسلامية مغربية، وهي حركة العدل والإحسان رغم رفع التحفظ الإجباري عن زعيمها "عبد السلام ياسين" بسبب إصرار الشيخ ياسين على رفض اعتبار الملك "أميرًا للمؤمنين"، ومطالبته بإعادة النظر في الدستور
أما القضية المحورية الأثر أهمية فهي أن الدستور نفسه يرسخ سلطة الملك، ويعطيه صلاحيات كبيرة؛ ما يتطلب تعديل الدستور، وإلغاء صلاحيات الملك في تعيين المسئولين عن أهم 4 وزارات وسلطته في تعيين رئيس الوزراء. فالدستور المغربي الذي تم تبنيه استنادا إلى الاستفتاء العام في 1996، ينص على أن النظام "ملكي دستوري ديموقراطي واجتماعي"، ويمنح بموجب ذلك الملك سلطات واسعة جدا. فهو الملك وهو "أمير المؤمنين" الذي يتمتع بحصانة مطلقة، وهو رئيس الوزراء، ويمكنه في حالات معينة إقالة الحكومة أو حل مجلسي البرلمان.والملك هو "القائد الأعلى للجيش"، ويرأس مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى، ويعين السفراء، ويوقع ويبرم المعاهدات، ويحق له أن يعلن حالة الطوارئ.ويظهر بوضوح تأثير القصر المباشر على الحكومة نفسها؛ إذ إن الملك لا يرأس مجلس الوزراء فحسب، بل ويعين تقليديا وزراء أربع حقائب مهمة هي: الخارجية والعدالة والداخلية والشؤون الإسلامية. ولهذا تركز غالبية القوى التي قاطعت الانتخابات على قضية تعديل الدستور، والحد من سلطات الملك، وعلى رأسها جماعة العدل والاحسان المعبرة عن فكر الإخوان المسلمون؛ حتى إن المتحدث باسم جماعة العدل والإحسان الإسلامية فتح الله أرسلان قال بأن تحقيق حزب العدالة والتنمية نتائج جيدة لن يكون له أي تأثير على الحياة السياسية في البلاد، وأنه حتى لو حل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى أو الثانية، فإن ذلك لن يكون له أي تأثير على الحياة السياسية على المستوى الوطني؛ لأن الانتخابات "تدور على أساس دستور يحرم الحكومة من صلاحياتها". وأضاف أن: "الحكومة المقبلة لا يمكن أن تكون إلا مشتتة ولن تحكم"، مؤكدًا أن أي حزب سياسي لا يستطيع أن يطبق برنامجه؛ إذ إن النظام سيختار من يريد!ولهذا دعت جمعية العدل والإحسان إلى حوار سياسي وطني مع كل الأحزاب والتيارات السياسية المغربية للتوصل إلى اتفاق إسلامي يحدد البرنامج السياسي الواجب تبنيه، ودعت ضمنيا الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات.الحل قد لا يبدأ بالتالي من الانتخابات رغم أهميتها، ولكن من تغيير المناخ السياسي عبر الدستور، وبدونه ستبقى نتائج الانتخابات مجرد أرقام على لوحة باهتة

0 Comments: