الخميس، مارس 15، 2007

الحسيمة ندوة الذاكرة المشتركة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمستقبل


التقرير التركيبي للأيام الدراسية

عبد الفتاح الزيـن
انعقدت بالحسيمة خلال 2 ، 3 و 4 مارس 2007 بمبادرة من شبكة الأمل للإغاثة والتنمية المستدامة أيام دراسية حول موضوع " الذاكرة المشتركة : الديموقراطية، حقوق الإنسان والآفاق". وقد انتظمت فعاليات هذا النشاط العلمي الثقافي في ست جلسات عامة إلى جانب جلستان خصصت أولاهما للافتتاح حيث تم تقديم أرضية الأيام الدراسية بعد كلمات الترحيب الرسمية؛ والثانية لتقديم التقرير التركيبي تلاه تلاوة لنداء الحسيمة فالكلمة الختامية.
وقد جاءت الكلمة الافتتاحية لشبكة الأمل – خلال الجلسة الافتتاحية - متضمنة لمرامي تنظيم هذه الأيام الدراسية؛ مؤكدة على أن الاشتغال حول الذاكرة لا يدرك إلا "بإعمال العقل المجرد من كل نزعة شوفينية أو سياسوية" من أجل استثمار الفرص التاريخية لتأمل مداخل نسج خيوط الذاكرة المشتركة مع الإخوة الإسبان، معتبرة هذا اللقاء فرصة للانكباب على مكامن القوة والضعف في العلاقات المغربية الإسبانية عبر التاريخ، والوقوف على ما أنجز وما لم ينجز بعد إضافة إلى ما نجح وما يحتاج إلى تدعيم وذلك من أجل بناء ذاكرتنا المشتركة لمصلحة الأجيال المقبلة وللعبور نحو مواطنة حقة تضمن الكرامة المشتركة ... وحتى لا تتكرر أحداث إليخيدو وتفجيرات مدريد وما قد يترتب على سوء التفاهم والتواصل من إقصاء متبادل. كما أشارت إلى الدور الذي على المجتمع المدني أن يلعبه في تمثين أواصر حسن الجوار والتعاون والأخوة. في حين أكدت كلمة وكالة تنمية أقاليم الشمال على الاهتمام بالتنمية كنقطة جذب للاستثمار وما يرافقه من تحسين لإطار الحياة ونسج خيوط الاندماج بين المنطقة الشمالية وباقي التراب الوطني من جهة وبين هذا الأخير والجوار المتوسطي وخصوصا الإسباني بفعل العلاقات الضاربة في عمق التاريخ. كما أن كلمة الجماعات المحلية وقفت عند الربط بين المفاهيم المكونة لموضوع الأيام الدراسية موضحة أن الذاكرة قد تكون عائقا أو حافزا خاصة إذا ما تم تهميش حقوق الإنسان. كما توقفت عند العلاقة بين ذاكرة المدينة ومدينة الذاكرة، وهو إرث تاريخي يمكن توظيفه بناء ذاكرة مشتركة تروم الرفع من قيمة ما هو إيجابي والاشتغال على السلبي بشكل يحوله إلى عامل فاعل وداعم. وجاءت كلمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لتصب في نفس الاتجاه مشيرة إلى ما يشهده المغرب من تحولات تعبر عن إرادة المغاربة في معالجة إفرازات الماضي وطي صفحتها للمرور إلى تقوية حقوق الإنسان وبناء مستقبل مشترك وسليم حاضن لحقوق المواطنة.
وفي ختام هذه الجلسة الافتتاحية، ركزت الورقة التقديمية على علاقة الذاكرة بالتاريخ، مشيرة إلى أن هدفنا ليس بناء حقيقة مطلقة بقدر ما هو فهم لتحديات المستقبل مع ما تفرضه رهانات العولمة والتي لا تترك لنا من خيار إلا خيار دعم وتمتين علاقات التعاون والشراكة بين شعوب حوض البحر المتوسط وعلى الأخص الشعب الإسباني من خلال استثمار المشترك التاريخي.
وبعد ذلك انتظمت الجلسات العامة على شكل مداخلات في موضوع محدد تتلوها تعقيبات ثم مناقشة عامة تختتم بعدها ردود المحاضرين كل جلسة. وقد شهدت هذه الجلسات نقاشا غنيا ومهما تمثل في أكثر من 80 مداخلة شارك فيها أساتذة باحثون جامعيين ومختصون ومهتمون (سواء كفاعلين جمعويين أو كمسؤولين إداريين) بقضايا التنمية والبحث التاريخي ومسألة الذاكرة مغاربة وإسبان. وقد انصب النقاش على الذاكرة في علاقاتها بالتوافقات السياسية والحقيقة التاريخية إلى جانب الحق في حماية الذاكرة ومناهج الاشتغال حولها وكيفيات استثمارها لبناء المستقبل. كما تركز النقاش الجلسات الثلاث الأخيرة حول بناء الذاكرة المشتركة حيث تم الاهتمام بالذاكرة المغربية الإسبانية المشتركة كمثال ودور المجتمع المدني في ذلك على غرار ما هو مطروح في مشروع "المنتدى المغربي الإسباني" باعتباره مشروعا حاولت الأيام الدراسية سبر إمكانيات بنائه.
ومن خلال ما راج في مجمل المداخلات يمكن أن نستخلص ما يلي:
1) لقد تم استعمال الذاكرة مقرونة بعدد من النعوت المفارقة من قبيل: الذاكرة الجماعية/الجمعية، الذاكرة الفردية/الخاصة، الذاكرة المحلية، الذاكرة العفوية، الذاكرة الاجتماعية، الذاكرة التاريخية ... وهو تعدد يبين إلى حد كبير صعوبة تمثل الذاكرة ووظيفتها في بناء المشترك من خلال تجاوز الإسقاطات الذاتية والتصورات التي تتأسس على وقائع بعينها. فالذاكرة كما تم التعبير عن ذلك لا تخوم لها، إنها زمن يسير باستمرار شاملا كل لحظات الماضي القريب المنفلت من قبضة الحاضر. إنها من حيث توظيفها تشبه إلى حد كبير وظيفة مرآة الرؤية الارتدادية (rétroviseur = مرآة تساعد السائق إلى رؤية ما خلفه).
2) ارتكز الحديث عن التنمية كما ينبغي أن تكون لا كما هي بالفعل من حيث أن لها أعراض تضر الفئات التي تعيش أوضاعا هشة. ومن ثم فإن الحديث عن التنمية يجب أن يتجاوز كل مقاربة تقنوية للعمل التنموي. لأن أي عمل كذلك كما أثبت ذلك عدد من المداخلات هو بناء قاعدي يأخذ بالحسبان انتظارات أوسع الفئات متجاوزا عملية التسويق السياسي نحو تنشيط العملية التفاعلية اعتمادا على مقاربة تشاركية تتوخى استبدال الإشراك بتعلم المشاركة وترْئِيّة مختلف المهمشون والمنسيين وإدماج الذين يعيشون هشاشة اجتماعية.
3) هذا العمل التنموي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الذاكرة الحقيقية وتقويتها ضمن منظور ديموقراطي شامل لا يقف عند حدود العملية السياسية ضمن مشروع حداثي مندرج ضمن محيطه الإقليمي والدولي قائم على حيوية النقد الذاتي للذاكرة (بل والنقد المزدوج للذات وللآخر) من جهة ولمنهجية الاشتغال حولها وأشكال استثمارها لا بالوقوف عند المؤلم فقط ولكن النظر في نقط الضوء وتثمينها. ذاكرة ينظر إليها في تنوعها وثرائها تسعى لاقتسام المشترك وإغنائه وتعمل على فهم العوائق محلية أو وطنية أو دولية لتذويبها بشكل ييسر العبور نحو المواطنة المستقبلية. فالذاكرة لا يمكن الاشتغال عليها انطلاقا من الارتسامات.
4) ومن حيث الاشتغال على هذه الذاكرة المشتركة المغربية الإسبانية، فإنه لا ينبغي أن يتسم بالانتقائية والعشوائية وتغليب المصالح الضيقة أو السقوط في تصورات تجعل من الآخر جلادا ومن الذات ضحية. فالأمر لا ينطلق من حدود ومعطيات نهائية بقدر ما يقوم على تغليب منطق المصالح المشتركة والعبور بالأجيال المقبلة نحو مستقبل متحرر من إكراهات الأسلاف وأخطاء الماضي. ففي الاشتغال على هذه الذاكرة بتطلب الأمر تحديد المنطلقات وترتيب الأولويات وضبط القنوات ونوعية الفاعلين بشكل جماعي ومشترك، وترك الباب مفتوحا أمام أشكال التوافق والاشتغال حول كيفية إدراج مختلف القضايا دون طابوهات أو رقابات كيفما كان مستواها وذلك عبر آليات مرنة تغذي ما يجمع وتقليص الخلاف حول ما يفرق.
5) ضمن هذا السياق يعتبر العمل المدني رافدا مهما بما يتسم به من حيوية وتحررية من إكراهات تطوق الجانب الرسمي وباعتباره ذو قوة اقتراحية وما له من قدرات في الترافع والتفاوض وبناء اللوبيات. وهو ما يتطلب بناء القدرات والمهارات المحلية وتجسير التعاون كقاطرة للتنمية المشتركة التي لا تساعد الجانب الرسمي إذا توفرت له الإرادة السياسية فقط بل وتقطع الطريق على جيوب مقاومة التقارب بين المجتمعين على اختلاف مكوناتهما بل وتعتبر صمام أمان كديبلوماسية غير رسمية.
6) أبانت مختلف المداخلات على أن التكامل بين التجارب الرسمية الأكاديمية والمدنية في كل من البلدين عامل قوة للاشتغال حول هذه الذاكرة وسند موضوعي لمشتركها وعلى الخصوص الاجتهاد الفكري الذي يبذله الفاعلون على اختلاف وضعياتهم ومستوياتهم ومشاربهم وتخصصاتهم. وهو ما يتطلب الصرامة في التعامل مع المفاهيم والمصطلحات التي تتم أجرأتها بهدف الاشتغال حول الذاكرة واستدعائها وبنائها، وكذا على مستوى التحليل الرصين الذي لا يستقيم في إطار بناء المشترك من خلال تمجيد الذات أو النظر الاستعلائي إلى الآخر أو الاحتماء بمرجعيات كيفما كان نوعها دون إعمال العقل. فالانطلاق من النماذج قتل للإبداع الاجتماعي كيفما كانت هذه النماذج (محلية أو أجنبية) وطبيعتها (تاريخية أو معاصرة).
وقد ألح المشاركون في مختلف مقترحاتهم على ضرورة التكوين العلمي والأكاديمي في بناء القدرات المحلية لرفع التحديات بشكل يجعل النسيج المدني قادرا على المساهمة في تدبير التغير الاجتماعية بشكل فاعل وبمهنية إلى جانب مختلف الفاعلين وخاصة بتلبية حاجياته من حيت المهن الجديدة التي تتطلبها حاجيات المجتمع الجديد (التنشيط الاجتماعي، العاملون التنمويون، الفاعلون الاجتماعيون، الخ.). وتنويع أطر الاشتغال (الأكاديمي، الجماهيري، الشبابي، النسائي، الخ.) سواء من حيث طبيعة الأنشطة أو البرامج أو الفئات المستهدفة بشكل موضوعاتي أو متنوع. إذ علينا أن نعمل حتى لا تصبح هذه الأيام الدراسية بدورها مجرد ذكريات. ولهذا علينا الانكباب في مناقشة مشروع المنتدى المغربي الإسباني للذاكرة المشتركة كلبنة أساسية لتحقيق قفزة نوعية في هذا العمل التأسيسي الذي شكلت هذه الأيام الدراسية ولادته.

0 Comments: