الاثنين، دجنبر 10، 2007

عمود الثلاثاء

أضواء ممكنة
مصطفى العوزي
يكتب

لماذا هناك مثقفون مبدعون؟

بالأمس و اليوم وغدا و في كل زمان ومكان لبدا وأن تكون هناك شريحة ما من شرائح المجتمع في وضع لا يتيح لها
الفرصة في التعبير عما هي عليه من معاناة تمزق قلبها و دونما أن تكون لها كامل يد المسؤولية في حالها هذا، فالبعض يعيش حالة فقر مدقع و يتمنى حلول صباح تلمس فيه يداه الماس و الذهب ،هؤلاء هم الكنز يون ، والبعض الأخر يقهر تحت قوة لا يستطيع مقاومتها لضعف هو قائم به و عليه ،كيف الخلاص ، ربما هذا هو بعض سؤال الوجود الذي قال به هدجير ،الخلاص ربما في التعبير عن هذه المعاناة و محاولة التخلص منها ولو بالعيش على إيقاعات ؟أمال مرتقب ،لكن الرياح لا تجري بما تشتهيه السفن ،فحتى التعبير عن المعاناة ليس في متناول الكل ،فهناك من لايملك ملكة التعبير ليعبر عماهو عليه ،غير أن من حسنات الحياة أن فيها يمينا و شمالا خيرا و شرا،هناك فئة توجد في كل زمان ومكان هي الأخرى مهمتها في نظري و نظري الكثيرين هي التعبير عمن لايستطعون للتعبير سبيلا ،فئة تسمى اختصارا بالمثقفين المبدعين ،ربما إليهم يوجه محمود درويش نصيحته الخالدة *وأنت تحرر نفسك بالاستعارات فكر بغيرك/ من فقدوا حقهم في الكلام* ،و الحقيقة انه لا مجتمع يمكنه أن يقوم دونما تواجد هذه الفئة التي تشكل عصب الحياة ،فالروائي مثلا يكتب روايته لينقل فيها معانة ما و يصورها في قالب فني معين ،و بذلك يضمن حق الاخارين في الكلام و يضمن حقه وحق عمله في الاستمرارية الخالدة،لقد فسر لوكا تش هذا حينما قال بأن الرواية التي تعيش استمرارية هي الرواية النموذجية وهي التي يحاول الكاتب فيها نقل الحالات المتطرفة في المجتمع و التي تتضمن مشكلات المجتمع و يعالجها في قالب فني معين محاولا تفسيرها بشكل جمالي أكثر ،ولعل هذا هو سبب استمرارية أعمال كدون كيشوت لسيرفانتيس و البؤساء لفيكتور هيكو و بداية و نهاية لنجيب محفوظ ،فأبطال أعمال هؤلاء المبدعين موجودون في كل شبر من الأرض و في كل ساعة من ساعات هذا الكون، أما أن تكون الرواية ليست إلا إنتاجا متعاليا يعكس واقع طبقة معينة بعيدة كل البعد عن دوائر الحرمان فلن تكون له للاستمرارية أي طريق ،هنا أتذكر أعمالا قرأتها بصدفة وأن متأكد أنها لن تستمر لأن شرط الاستمرارية هو أن يكون العمل معبرا عن مقهورين معينين في كل زمان و مكان ،و لا يكون القهر هذا ماديا فقط بل يمكن أن يكون غير ذلك ،فالحاجة المادية لاتعني دائما القهر ،فكم من ميسور يعيش في دائرة قهر لا يستطيع الخروج منها لكنه يجد من يحرره بكلمات معينة ،أقول هذا لأني أرى هناك عزوفا يكاد يكون تاما لمثقفينا عن التعبير عن فئة يبدوا أن الكلام محجوب عنها ، أقول هذا و أنا مع ذلك انظر بعين الرضا إلى المستقبل القريب لأني أرى من أبناء جيل من يحملون مثل هم و أنا متيقن بأننا نحو التعبير عن واقعينا قادمين.

0 Comments: