عــــمـود الإثنين
الكلام المباح
يكتبه
فخر الدين العثماني
سنة حلوة ياعرب
إن الشعوب العربية من أكثر الشعوب في العالم إستهتارا بالوقت ، فنحن لا نعير الزمن أي أهمية تذكر ، فالساعة عندنا كاليوم ، و الأسبوع كالشهر ، و السنة كالعقد ، قد تمر على حالنا الشهور و السنين ، بل و القرون ، دون أن ندرك جوهر الإشكال الذي نتخبط فيه ، حتى أننا من الشعوب التي ، ليس فقط لا تستغل وقتها و زمنها ، و إنما من الشعوب التي لا تعتبر من دروس تاريخها و ماضيها ، لا غرو ، فالتاريخ زمن و الماضي زمن ، و الإعتبار منهما من أوجه الإستفادة من الوقت
نجد في ثقافتنا العربية المثل القائل : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، و الرسالة المضمرة بين ثنايا هذا المثل ، هي الرسالة التي تؤكد أهمية الوقت في حياة الإنسان . إذ هو سيف حاد ّ موضوع فوق رقابنا ، إذا لم نتجند لقطعه فسوف يقطعنا لا محالة . إن إستحضار هذه الصورة العنيفة في أذهاننا ، يكفي لكي نؤمن بأهمية الوقت و بقيمته
أنتقل إلى جانب آخر و أستحضر مطلعا لأغنية " إنت عمري " لأم كلثوم ، على اعتبار أن الأغنية هي كالمثل ، فكما أن المثل يؤسس لثقافة مّا و لسلوكات معينة ، فإن الأغنية كذلك ، تحمل رسالة يتأثر بها المتلقي و ينفعل بها و يتفاعل معها ، خصوصا و أن الأغنية التي سوف أسوقها كشاهد ، هي لأم كلثوم ، و ما أدراك ما أم كلثوم في زمنها و و قتها
تقول الأغنية
رجعوني عينيك لأيامي اللي راحو
علموني أندم على الماضي و جراحو
اللي شفتو
قبل ماتشوفك عيني
عمر ضايع
يحسبوه الزاي علي
ما يهمنا هو المقطع الأخير : اللي شفتو قبل ما تشوفك عيني ، عمر ضايع ، يحسبوه الزاي علي ، و آخذ من هذا المقطع كلمتين فقط هما : عمر ضايع ، أو عمر ضائع ، فالعمر إشارة إلى الزمن ، الوقت ، الحياة ، و ضايع أو ضائع : من الضياع
إذا كان المثل الذي ذكرته في البداية ينص على أهمية الوقت و قيمته فإن هذا المثل / الأغنية ، يشترط شرطا أساسيا لكي لا نضع العمر في سلة الضياع ، هذا الشرط هو : الحب ، أو لنقل إن الحب في هذه الأغنية ، هو حد فاصل بين مرحلة الضياع و مرحلة الوجود ، بين مرحلة الإستهتار بالوقت و مرحلة الإهتمام به ، قد لا يتضح الأمر للوهلة الأولى ، لكن التمعن أكثر قد يجلي كل غموض ، إذ من الممكن أن نستبد ل كلمة : " اللي شفتو " في الأغنية بكلمة أخرى تماثلها هي : " اللي عشتو " ليصبح المقطع كالتالي : اللي عشتو قبل ما تشوفك عيني عمر ضايع يحسبوه الزاي علي ، لنفترض أن عيني المغنية ( شافت ) حبيبها و سنها 30 سنة مثلا ، هذا يعني - حسب الأغنية - أن الثلاثين سنة التي عاشتها هي عمر ضائع ، و لحظة الولادة هي لحظة الحب ، و لحظة الوقوع في شرك الغرام
أظن أن الأمر بدأ يتضح أكثر
لكن ، قد يعترضني معترض ، و يواجهني بالسؤال التالي : ماهي الفكرة التي تود إيصالها ، من كل هذا الكلام ؟
لقد أصاب من إعترض ، و سوف أقو م الآن بذكر الفكرة التي إنطلقت منها ، و التي أود إيصالها إلى كل قارئ
الفكرة هي : لا شك أن الوقت له قيمة كبرى في حياة الإنسان ، إن الوقت هو الحياة ، و تدبير الوقت ، هو تدبير للحياة كلها ، لكن لا أحد يشك في أن الوقت لا يعتبر كذلك عندنا نحن العرب
لكن عندما نتحدث عن الوقت ننطلق من ما هو ثقافي و لا ننطلق مما هو واقعي ، ننطلق من الأمثال العربية التي تؤكد أهمية الوقت ، ننطلق من التاريخ ، من الأقوال و الحكم ... و هذا هو الفخ الذي نسقط فيه
لكن ، قد يعترضني نفس المعترض ، و يقول لي هذا ما فعلته أنت لقد إنطلقت في حديثك عن الوقت من المثل و إنتهيت إلى الأغنية ، أي أنك إنطلقت مما هو ثقافي
لقد أصاب من إعترض ، لكن ما تجدر الإشارة إليه ، هو أنني إنطلقت مما هو ثقافي ، لأبين أن تمثل الوقت في أذهاننا هو مختلف و متباين ، و تمثل الوقت في المثل الذي ذكرته يختلف عنه في الأغنية ، لأن أهمية الوقت لا تتضح فيما نتمثله ، بل فيما نعيشه ، أي فيما هو واقعي
و الواقع هو الوحيد الذي يجب أن نحتكم إليه ، لفهم أهمية الوقت في حياتنا
قبل الختام ، أود أن أبارك للجميع العام الجديد - 2008 - و أرجو ألا يكون عاما ضائعا ينضاف إلى الأعوام الضائعة من عمر العرب، و أقول من سويداء قلبي الذي ينبض حبا و ولها :
سنة حلوة يا عرب






0 Comments:
Post a Comment