الأحد، يناير 06، 2008

عــمــود الإثـنــيــن


الكلام المباح

من توقيع


فخر الدين العثمــــاني



النَّفسُ الأمَّارَة ُ بالشِّعر


تأتي القصيدة إلى هذا العالم غريبة ، غربة الطير الذي يباغتنا شدوه عند الصباح ، ثم سرعان ما نألف الشدو ، و نألف القصيدة و طلعتها البهية
لكن من أين تأتي القصيدة ؟ أمن السماء ؟ من الأرض ؟ من عالم سحري لا نعرفه ؟ أم أن هناك شيطان - كما إعتقد القدماء - هو الذي يلهم الشاعر ؟
من المؤكد أن الذات الشاعرة هي التي تنتج الشعر ، متأثرة بالمحيط الداخلي و الخارجي ، بالعالم و بالآخر ، متفاعلة مع كل المعطيات التي تتواجد معها وبينها ، و من ثم فإن تجربة القصيدة هي تجربة وجودية تُدخل الذات في متاهة الإبداع و الخلق لتذويب و صهر كل هذه العناصر ، و إعادة تشكيلها من جديد على هيأة القصيدة
هناك من يرى أن الشاعر المبدع يمتلك أرضية قبلية ، مسبقة تدفع به نحو حضن القصيدة ، هذه الأرضية هي الموهبة ، أي أن الشاعر إنسان موهوب ، و الموهبة لا تكتسب ، بل إنها هبة ربانية . لكن هناك من يذهب عكس هذا المذهب و يعتبر أن هذا الطرح فيه نوع من المثالية ، فصحيح أن هناك موهبة ، لكن هذه الموهبة هي في الحقيقة نتاج عمل و جهد و مثابرة أي أنها إكتساب لمهارات و لقدرات ، لذلك من الصواب أن نقول أن الشاعر لديه ميل لنظم الشعر و يعشق ذلك ، إن في داخله نفس أمارة بالشعر، إذا جاز لنا هذا القول
هناك رأي آخر ساد قديما ، ذلك الرأي الذي يدّعي أن لكل شاعر شيطان ، حتى أنهم إستدلوا بوقائع لإثبات ما ذهبوا إليه ، فزعموا مثلا أن شيطان امرؤ القيس يدعى : لافظ بن لاحظ
هذا رأي شاذ فيه من النواقص و العيوب ما لا حصر و لا عدّ ، فإذا إعتبرنا أن لكل شاعر شيطان ، و أن هذا الشيطان هو الذي يلقي الشعر في صدر الشاعر ، فإن هذا الأخير سيصير و الحالة هذه مجرد وعاء يعبّأ بالشعر و يفرغ ، ثم يعبّأ و يفرغ و هكذا دواليك
إن الحل الوسط الذي يمكن أن يكون خيطا ناظما يربط كل العناصر التي ذكرتها بعضها ببعض ، هو إعتبار عملية إنتاج الشعر عملية تفاعلية تحضر فيها مقومات و عناصر متعددة ، من بينها قدرة الشاعر على الخلق الشعري و قدرته كذلك عل توظيف مكتسباته توظيفا شعريا ، هذا بالإضافة ،كما ذكرت سابقا ، إلى و جود ميل ذاتي نحو الإبداع الشعري ، أو بعبارة أخرى : لابد من حضور النفس الأمّارة بالشعر

فخر الدين العتماني

0 Comments: