الركن الأسبوعي
الكلام المباح
يكتبه
فخر الدين العثماني
البارصا و المدريد
لقد أصبحت الليغا الإسبانية لكرة القدم تشد أنظار العالم ، لما تضمنه من فرجة و متعة كروية لا توصف ، و أيضا لما تضمه من نجوم المستديرة الذين يمتعون كل الناظرين عندما تداعب أقدامهم الكرة . لكن الذي أثارني و حملني على الكتابة في هذا الموضوع ، هو العشق الكبير الذي تكنه الجماهير الشمالية لبطولة جيرانهم الإسبان ، هذا العشق الذي لا تستوعبه الكلمات و لا تساير عمقه الأحرف ، يصل في بعض الأحيان حد الجنون ، فتصير متعة المشاهدة ، متعة أخرى هي متعة الحب و العشق ، حين تحل روح المشاهد في روح اللاعب فيصيرا " روحان حلتا بدنا " حسب تعبير ابن عربي الشهير
لكن الذي يثير أكثر هو إنقسام الجماهير إلى كتلتين : البارساويون و المدريديون ، هاتان الكتلتان بينهما صراع طويل و حرب باردة لا تنتهي ، و كأننا أمام الصراع الكلاسيكي بين المعسكرين الرأسمالي و الإشتراكي . تدور فصول هذا الصراع في المقاهي و الشوارع و الأحياء ، الشعبية منها و الراقية ، و حين يجتمع الإخوة للغذاء ، و قبيل النوم بساعات ، و في الصباع الباكر ، و في الطريق إلى المدرسة ، و في الطريق إلى المسجد يوم الجمعة ، لكن المعركة الحاسمة التي تطلق العنان لبعض الألسنة و تخرس ألسنة أخرى ، تجري أطوارها عندما تشاء أقدار الليغا بأن يلتقيا : البارسا و المدريد ، في الكامب نو أو البرنافيو . إنها ساعة الفصل و ساعة الإنتقام ، و كأن كل لا عب يحمل في صدره نارا من الكراهية يود لويشعلها في صدر خصمه ، و لكن أخلاق المستديرة تقضي بأن تحترم الخصم و تتواضع له و تحييه إذا إنهزم و تبارك له إذا فاز ، و تزوره في بيته إذا مرض و تتبعه إذا مات ، كما حصل في جنازة أنطونيو بويرطا لاعب فريق إشبيلية
المضحك و المبكي في قصة العشق هاته ، التي لا تشبه في شيئ قصة العشق التي جمعت قيسا بليلى ، هو أن كل الجماهير ، و أقصد الجماهير الشمالية ، تشد رحالها إلى المقاهي كل سبت و أحد ل " تحيز " أقرب كرسي إلى شاشة التلفاز ، و قد تصل أنت متأخرا بخمس دقائق قبل بداية المباراة ، لكن للأسف لن تجد كرسيا تجلس عليه . و قد تشاهد كرسيا يبدوشاغرا في أقصى المقهى ... لكن ما أن تصل إليه و تمسك به ، حتى تسمع صوتا من خلفك يهمس لك : عامر ، عامر . فترجع أدراجعك خائبا
عندما تصل إلى البيت و تدخل غرفتك ، تسمع صوت أبيك
صافي رجعتي
فتجيبه أنت
جبرت القهوة عامرة
تفرج ف الدار ، ها التلفزة قدامك
هيهات ... تهمس أنت في نفسك ، كاتما آهة لو أطلقت عنانها لشتمك أباك معتقدا أنك قلت " أف "






0 Comments:
Post a Comment