في الأندلس المفقودة عشت لحظة سقوط بغداد وسقوط صورتي من جيبي
في التاسع من أبريل 2003،
كنت بغرناطة الجميلة رفقة دلال
اعتقدت أن الاقتراب من الكبد الممتد في جسد العولمة
في حد ذاته مخفف للآلام
ذات يوم تاسع من أبريل
أمام شاشة التلفزة
بما يشبه الصمت
على وقع مضغ أكلة خفيفة
غذاء
كان المذيع يحيل على المبعوث الخاص
ثم يسابق بأحرف كلامه نبضات أنفاسه
وقد اهتزت في نفس الآونة
إسبانيا لقتل
ابن الأمين العام لليسار الموحد الاسباني
في بغداد ضمن المبعوثين الصحفيين
في فندق فلسطين
سقطت بغداد
وبفعل هاتف
من غرناطة نحو تطوان
كلام محايد أسقط صورة إنسان
في ذهن إنسان
ولم يسبق أن كانت أسلحة دمار شامل
لا في بغداد
ولا في الأذهان
في اليوم الموالي
لم نملك سوى الالتحاق
بتظاهرة احتجاجية نظمها اليسار الموحد الاسباني ضد الحرب الأمريكية على العراق
أنا ودلال
ومع ذلك
سيف الدين ....
مازال يتحدث باسم الحرس الجمهوري
عن النصر الآتي
بعد شنق الرئيس وثلاثة من رفاقه
وفي الذكرى الرابعة لسقوط بغداد
فهل ترجع صورتي لجيبي مرة ثانية
من يدري؟؟؟؟؟؟
المحطة الاخيرة
ذكرى سقوط بغداد الاول والثانـي بين زمنين
* راكان المجالي
عن الدستور الاردنية الصادرة اليوم
2007/4/9
في مثل هذه الايام من نيسان في العام 2003 بدأت القوات الامريكية الغازية تقترب من بغداد التي سقطت في يد الاحتلال يوم 9 نيسان الذي يصادف بعد غد الاثنين ، وبعد مرور 4 سنوات على سقوط بغداد نجد ان امريكا تكرس احتلالها للعراق وتعمق مأساته وتعمل على تقويض كل مقوماته وتدميره نهائياً ، وكل ذلك بات معروفاً لكل العالم.ونرى انه من المفيد ونحن نتذكر سقوط بغداد قبل 4 سنوات ان نتذكر سقوطها بيد الاحتلال قبل 90 عاماً اي في العام 1917 فقد سقطت بغداد مرتين ، خلال سبعة وثمانين عاما ، وما بين السقوطين ، امتدت ثمانية عقود ، تبدو في تأثيرها ، اكثر من زمانها الفعلي ، الى درجة ان الناس نسوا السقوط الاول ، ولم يعد يُذكر الا سقوط بغداد الكبير على يد التتار وقائدهم هولاكو.في «11 اذار 1917» سقطت بغداد ، بيد جيش بريطانيا العظمى ، في الحرب العالمية الاولى ، بقيادة «الجنرال الانجليزي ستانلي مود» وفي «9 نيسان 2003» سقطت بغداد ثانية ، بيد جيش الولايات المتحدة الاميركية ، في حرب غير عالمية بقيادة «الجنرال الاميركي تومي فرانكس».في المرة الاولى ، لم تكن بغداد عاصمة ، بل كانت احدى درر الامبراطورية العثمانية ، واهم المحطات على طريق قطار الشرق السريع ، الذي اقامته الدولة العثمانية ، بالتعاون والتحالف مع «المانيا» لربط اوروبا بالخليج العربي ، ومنه الى المحيط الهندي ، حيث القسم الاهم للامبراطورية البريطانية «شركة الهند الشرقية» ، وفي المرة الثانية ، كانت بغداد عاصمة عربية ، ولدولة عربية عمرها السياسي يقارب الثمانين عاما.حين سقطت بغداد ، في المرة الاولى ، كان قائد القوات العثمانية المسلمة ، المدافعة عن بغداد هو «خليل باشا» ، وفي المرة الثانية كان قائد القوات المدافعة عن بغداد ، هو وزير الدفاع العراقي السابق «سلطان هاشم احمد» ، ولعل من الطريف بين هذين السقوطين لبغداد ، ان نسير الى حادثة فتح اول شارع في بغداد ، لما له من دلالة ومغزى ، اذ انه في العام (1910) لم يكن هناك اي شارع في بغداد ، فقد كانت المدينة عبارة عن اسواق مسقوفة تصل بينها ازقة وممرات ترابية ، ولم يكن فيها سوى شارع النهر ، الذي شقه «ناظم باشا» ، وفي الحقيقة فانه لم يكن شارعا ، بل ممرا ترابيا ضيقا وغير مستقيم ، وحين بدأت الحرب العالمية الاولى قرر «خليل باشا» القائد العسكري العثماني ، بعد اول انتصار له على الانجليز في «الكوت» عام «1916» ان يخلد اسمه بشق اول شارع في بغداد ، وبالفعل ، فقد كانت حركة القوات والآليات التركية بحاجة الى شارع بالاضافة الى ان شق الشارع في فترة الحرب لا يكلف الحكومة سوى سندات حكومية للمواطنين تدفع بعد الحرب. بوالفعل ، فقد فتح الشارع ، حيث جرى مد حبل طويل يصل بين «الباب الشرقي» و«باب المعظم» بموازاة نهر دجلة ، على ان تهدم اجزاء البيوت التي يمر منها الحبل ، ولعل في طريقة فتح الشارع ، افضل تعبير عن حال المدافعين عن بغداد في ذلك الزمان ، اذ ان الحبل الذي يحدد حدود الشارع قد مر على اجزاء عدد كبير من البيوت ، التي يجب هدمها ، وهنا انتشرت الوساطات والمحسوبيات والرشاوى بين الموظفين والمسؤولين والمهندسين ، لازاحة الحبل عن حدود البيوت ، ولم ينجح في ازاحة الحبل الا من كان يملك المال او النفوذ ، وتحول الحبل المستقيم «وبالتالي الشارع المستقيم» الى حبل ملتو كأنه افعى ، بما تم دفعه من الرشاوى ، وبما تعرض له المهندسون من ضغوط ، المهم ان الشارع فتح خلال فترة وجيزة ، دون تعبيد ، وبقي مملوءا بالحفر وبرك الماء خلال فترة الحرب ، وحين سقطت بغداد ، ودخلها الانجليز ، كانت البيوت التي هدمت اجزاؤها كما هي ، تستر العائلات عورات ما انكشف من حرماتها بالعباءات والبطانيات.وحينما كانت بغداد على وشك السقوط ، هرب رئيس بلديتها «رؤوف الجادرجي» الى استانبول ثم الى «برلين» خشية ان ينتقم الناس منه نتيجة ما فعله بهم بفتح الشارع في العهد البائد ، وعلقت يافطة باسم «جادة خليل باشا» كاسم للشارع ، على جدار جامع السيد سلطان علي.وحين دخل الانجليز بغداد ، قاموا بتعبيد الشارع ، تسهيلا لحركة قواتهم ، واطلقوا على الشارع اسم «الشارع الجديد» ، اما اسم «خليل باشا» فقد بقي معلقا على جدار الجامع لسنوات طويلة ، حتى قامت «امانة بغداد» بتغيير اسم الشارع الى «شارع الرشيد» ، الذي ما يزال قائما الى اليوم ، فأزالت يافطة «خليل باشا». اما القائد «خليل باشا» فقد عتب كثيرا على البغداديين ، واتهمهم بعدم الوفاء ، لانهم لم يحافظوا على اسمه على الشارع ، كما ذكر لاحد البغداديين الذين زاروه في استانبول بعد سنوات طويلة.سقطت بغداد في «9 نيسان» ، والآن وبعد مرور 4 أعوام على هذا السقوط ، فاننا لا نملك تفسيرا حقيقياً ومعقولا لما حدث ، ولا كيف جرى هذا السقوط ، بالرغم من تقدم وسائل الاتصال والمعلومات ، واذا كانت هناك روايات لهذا السقوط ، فهي كلها تقترب من الروايات الشعبية والاسطورية ، وهو ما يجعل سقوط بغداد الثاني ، برغم مرور عام عليه ، اكثر غموضاً.لم تتوقف الفضائيات على مدى 4 أعوام عن تقديم روايات عسكرية وشبه سياسية ، عبر الشهود لسقوط بغداد ، واذا كنا لا نملك حتى الآن ، رواية تقارب الحقيقة لما حدث في بغداد في «9 نيسان 2003» ، فاننا نملك رواية لسقوط بغداد في «11 اذار 1917». ان افضل تفصيل لسقوط بغداد الاول ، هو الذي قدمه الدكتور المرحوم علي الوردي ، في سياق تقديمه للجانب الاجتماعي لتاريخ العراق الحديث ، ولعل في استعادة بعض تفاصيل السقوط الاول لبغداد ، الكثير من العظة والفائدة.يقول الدكتور الوردي ، ان احتلال العراق وسقوط بغداد ، قد اخذا ما يقارب العام ، امتد ما بين العامين 1916 و 1917 ، صمد فيها الاتراك صمودا شديدا ، ودفعوا خسائر فادحة ، كان اكبرها في بغداد قبل سقوطها ، وذلك في موقع «دورة الخضيري وصدر الغراف» الواقع على الجانب الايمن من دجلة ، وهو آخر موقع حصين حافظ عليه الجيش التركي ، وفي اوائل العام 1917 حين سمحت القيادة العليا للجنرال «ستانلي مود» بتكبد الخسائر بشرط ان لا تتجاوز نسبتها 25% حينها ، بدأ الجنرال مود هجومه على هذا الموقع الحصين «الخضيري» الذي يقابل «الكوت» وقد كانت هذه المعركة اشد المعارك التي جرت في العراق على الاطلاق ، استبسل فيها الاتراك في الدفاع عن الموقع الذي انتهى بهزيمتهم وسقوط بغداد الفعلي بعدها.استمرت معارك «دورة الخضيري» ثلاثة اسابيع ، جرى فيها استخدام السلاح الابيض ، وقد خسر فيها الاتراك ثلثي عدد الجنود تقريبا ، وهي نسبة عالية جدا ، نادرا ، ما يستطيع اي جيش في العالم تحملها ، وقد اطلق الاتراك على تل في تلك المنطقة اسم «تل الاربعين غازيا» ، وذلك تخليدا لفوج من الاتراك لم يسلم منه في القتال سوى اربعين جنديا ، اما «الجنرال مود» ، فبالرغم من صغر مساحة الموقع ، فقط سلط عليه عددا ضخما من المدافع والقوات ، وبلغ مجموع القنابل التي قذفت على هذا الموقع خلال المعركة ، اربعين الف قذيفة ، وفي موقع «صدر الغراف» ايضا صمد الاتراك لمدة عشرة ايام ، حتى أبيد المدافعون عن الموقع ، الى درجة دفعت احد المؤرخين الانجليز للتساؤل عن سر هذا الصمود ، وسماه بأنه «لغز الالغاز».في الايام الاخيرة ، قبيل سقوط بغداد ، كان «انور باشا» قلقا من انباء المعارك على جبهة «الكوت» فوقف على رأس آلة التلغراف ليخابر «خليل باشا» في بغداد مستفسرا عن الحالة ، فأجابه «خليل باشا»: «ان الحالة جيدة وان الفيلق الثامن عشر الموجود في جبهة الكوت يكفي وحده للدفاع ، ولا حاجة لسحب الفيلق الثالث عشر من ايران» ، وبعدها بأسابيع ابرق «جمال باشا» القائد العام للقوات التركية ، من الشام الى «خليل باشا» ثانية ، يستفهم عن الحالة ، فأجابه «خليل باشا»: «ان جبهة الكوت اقوى وامتن من ذي قبل ، وذكر له قصة البطولة التي جرت حول تل الاربعين غازيا».ويصف «محمد العمري» الذي كان حينها في معية «خليل باشا»: «كنت ارى هذا الجواب وقلبي يتلهف على ذك الحال وأتأسف على تلك الاكاذيب».ويذكر الدكتور الوردي ان القوات التركية اخلت بغداد في «10 آذار» اي قبل يوم واحد من دخول الجنرال مود ، وما ان غادر قطار الجنود الاتراك بغداد حتى بدأت الانفجارات في بغداد ، اذ ان الاتراك أخذوا ينسفون مخازن الذخيرة في بغداد وجميع المنشآت العسكرية التي يمكن ان يستفيد العدو منها ، ومن المواقع التي نسفت محطة اللاسلكي ، ونسفوا «باب الطلسم» لوجود مخزن للذخيرة فيه ، وهو من ابواب بغداد القديمة ومن كنوزها الاثرية. وقد هز نسفه مدينة بغداد هزا عنيفا ، وقد احرق جسر بغداد وظلت النار تشتعل فيه طيلة الليل والنهار التالي. اما السجناء ، في ليلة سقوط بغداد فما ان سمعوا بانسحاب الحكومة ، حتى كسروا ابواب السجون ثم انطلقوا نحو الاسواق والخانات ومحلات اليهود والنصارى يكسرون اقفالها ويعيثون فيها نهبا وتخريبا ، وانضم اليهم «غوغاء» المدينة وضواحيها ، واتسع نطاق النهب في المدينة.ويصف «محمود الكبتي» احد الذين كانوا في بغداد في تلك الليلة حالة المدينة ، ويقول: «.. وشب الحريق في بعض الخانات والاسواق ، وكان سبب ذلك ، ان بعض الناهبين اوقدوا اوراقا وخرقا للاستضاءة بها اثناء النهب ، ثم رموها دون ان يهتموا بها ، فامتدت النار منها الى البضائع الموجودة ، واخذت تتسع شيئا فشيئا ، دون ان يأتي احد لاطفائها..».ويضيف الكبتي ايضا: «واستمر النهب طيلة الليل ، وعند الصباح استفحل النهب واتسع نطاقه ، لا سيما بعد ان هدأت الريح فأخذ الكثير من الاطفال والصبيان يشاركون فيه.. واصبحت دور الحكومة ودوائرها طعمة للغوغاء ، يعيثون فيها كما يشاؤون ، فلم يبق لهم فيها شيء من الكراسي والمناضد والرفوف حتى الاوراق والاضبارات بعثرت ومزقت تمزيقا ، كما حطمت الابواب والشبابيك لاستخراج الخشب والحديد منها».ويقول الدكتور الوردي ، ان اول من دخل بغداد ، هو ضابط بريطاني اسمه «الكابتن كمب» «اصبح في العام 1920 مشرفا على حكومة السلطة المحلية» ، وكان دخوله على سبيل الصدفة غير مقصود ، فهو كان تابعا للقوات الزاحفة على الجانب الشرقي من النهر ، وظل سائرا في طريقه وهو يحسب ان الجنود امامه ، فدخل بغداد وحده ، فوجد الشوارع مملوءة بالناس وهم يحيونه بحماس ، وبعد فترة قليلة من الزمن ، دخل من الباب الشرقي «الجنرال طومسون» الذي عين حاكما عسكريا لبغداد ، وهو على رأس ثلة من الخيّالة ، فكان في استقباله هناك القنصل الامريكي والقنصل الايراني وحاخام اليهود ، وعدد من الاعيان والتجار ، وهم يحملون عريضة يطلبون فيها الاسراع باحتلال بغداد لانقاذهم من عبث الغوغاء.. وقبيل ظهر ذلك اليوم صعد ضابط بريطاني الى سطح القلعة القريبة من باب المعظم فرفع عليه العلم البريطاني ، وبعد خمس واربعين دقيقة نقل العلم الى برج الساعة في ساحة القشلة ، وهذا العلم محفوظ الان في كاتدرائية كانتربري في لندن.اما كيف رأى الجنرال بغداد لحظة سقوطها ، فقد صوره ويلسون بدقة ، راسما خيبة الامل التي شعروا بها متسائلين: هل هذه هي المدينة المشهورة التي قتلنا انفسنا من اجلها؟ ويقول ويلسون: «ان مدينة بغداد كانت موضع خيبة امل مريرة للجنود ، فقد كانت القباب الذهبية في الكاظمية ، والقباب المكسوة القاشاني في بغداد «وقبر السيدة زبيدة ، واشجار النخيل الباسقة ، والبساتين الخضراء المليئة بالبرتقال والفواكه ، تبدو من بعيد رائعة ، ولكن المدينة نفسها ليس فيها شيء من الجاذبية.. وكانت معروفة بين المدن التركية بأنها لا تملك وسائل الرفاهية».في تلك الفترة ، اطلق البغداديون على عهد الاحتلال الانجليزي اسم «عهد السقوط» ولقب الاولاد الذين ولدوا في تلك الفترة بـ «اولاد السقوط». وقد كان هناك منتفعون ومتضررون من الاحتلال ، وبوجه عام كان اليهود اكثر الناس فرحا بالاحتلال الانجليزي ، وكانوا اكثر من بذل اقصى جهد في خدمة السلطة الانجليزية والتعاون معها ، وقد شاع بينهم القول المشهور: «ايش ما يقول لك الصاحب قل له يس» ، وهم الذين اطلقوا على الانجليز الكنية التي عرفوا بها في بغداد «ابو ناجي».ليس بين السقوطين تشابه؟، ولكن السقوط هو السقوط. واذا كنا لا نعرف ، حتى اليوم ، ما الذي حدث في السقوط الاخير ، فان اوضح الاشياء هو التناقض بين ما يقال ، وبين ما يحدث على الارض. ولعل اكبر دليل على ذلك ، هو اول بيان نشر في بغداد ، وعرف باسم «بيان مود» وهو بيان طويل وله قصة اطول. وقد جاء فيه ، ما يغني عن بقية القول والحديث: «اننا جئنا محررين لا فاتحين.. فيا أهل بغداد ، هيا للتعاون معنا لتحقيق اطماحكم القومية».
في مثل هذه الايام من نيسان في العام 2003 بدأت القوات الامريكية الغازية تقترب من بغداد التي سقطت في يد الاحتلال يوم 9 نيسان الذي يصادف بعد غد الاثنين ، وبعد مرور 4 سنوات على سقوط بغداد نجد ان امريكا تكرس احتلالها للعراق وتعمق مأساته وتعمل على تقويض كل مقوماته وتدميره نهائياً ، وكل ذلك بات معروفاً لكل العالم.ونرى انه من المفيد ونحن نتذكر سقوط بغداد قبل 4 سنوات ان نتذكر سقوطها بيد الاحتلال قبل 90 عاماً اي في العام 1917 فقد سقطت بغداد مرتين ، خلال سبعة وثمانين عاما ، وما بين السقوطين ، امتدت ثمانية عقود ، تبدو في تأثيرها ، اكثر من زمانها الفعلي ، الى درجة ان الناس نسوا السقوط الاول ، ولم يعد يُذكر الا سقوط بغداد الكبير على يد التتار وقائدهم هولاكو.في «11 اذار 1917» سقطت بغداد ، بيد جيش بريطانيا العظمى ، في الحرب العالمية الاولى ، بقيادة «الجنرال الانجليزي ستانلي مود» وفي «9 نيسان 2003» سقطت بغداد ثانية ، بيد جيش الولايات المتحدة الاميركية ، في حرب غير عالمية بقيادة «الجنرال الاميركي تومي فرانكس».في المرة الاولى ، لم تكن بغداد عاصمة ، بل كانت احدى درر الامبراطورية العثمانية ، واهم المحطات على طريق قطار الشرق السريع ، الذي اقامته الدولة العثمانية ، بالتعاون والتحالف مع «المانيا» لربط اوروبا بالخليج العربي ، ومنه الى المحيط الهندي ، حيث القسم الاهم للامبراطورية البريطانية «شركة الهند الشرقية» ، وفي المرة الثانية ، كانت بغداد عاصمة عربية ، ولدولة عربية عمرها السياسي يقارب الثمانين عاما.حين سقطت بغداد ، في المرة الاولى ، كان قائد القوات العثمانية المسلمة ، المدافعة عن بغداد هو «خليل باشا» ، وفي المرة الثانية كان قائد القوات المدافعة عن بغداد ، هو وزير الدفاع العراقي السابق «سلطان هاشم احمد» ، ولعل من الطريف بين هذين السقوطين لبغداد ، ان نسير الى حادثة فتح اول شارع في بغداد ، لما له من دلالة ومغزى ، اذ انه في العام (1910) لم يكن هناك اي شارع في بغداد ، فقد كانت المدينة عبارة عن اسواق مسقوفة تصل بينها ازقة وممرات ترابية ، ولم يكن فيها سوى شارع النهر ، الذي شقه «ناظم باشا» ، وفي الحقيقة فانه لم يكن شارعا ، بل ممرا ترابيا ضيقا وغير مستقيم ، وحين بدأت الحرب العالمية الاولى قرر «خليل باشا» القائد العسكري العثماني ، بعد اول انتصار له على الانجليز في «الكوت» عام «1916» ان يخلد اسمه بشق اول شارع في بغداد ، وبالفعل ، فقد كانت حركة القوات والآليات التركية بحاجة الى شارع بالاضافة الى ان شق الشارع في فترة الحرب لا يكلف الحكومة سوى سندات حكومية للمواطنين تدفع بعد الحرب. بوالفعل ، فقد فتح الشارع ، حيث جرى مد حبل طويل يصل بين «الباب الشرقي» و«باب المعظم» بموازاة نهر دجلة ، على ان تهدم اجزاء البيوت التي يمر منها الحبل ، ولعل في طريقة فتح الشارع ، افضل تعبير عن حال المدافعين عن بغداد في ذلك الزمان ، اذ ان الحبل الذي يحدد حدود الشارع قد مر على اجزاء عدد كبير من البيوت ، التي يجب هدمها ، وهنا انتشرت الوساطات والمحسوبيات والرشاوى بين الموظفين والمسؤولين والمهندسين ، لازاحة الحبل عن حدود البيوت ، ولم ينجح في ازاحة الحبل الا من كان يملك المال او النفوذ ، وتحول الحبل المستقيم «وبالتالي الشارع المستقيم» الى حبل ملتو كأنه افعى ، بما تم دفعه من الرشاوى ، وبما تعرض له المهندسون من ضغوط ، المهم ان الشارع فتح خلال فترة وجيزة ، دون تعبيد ، وبقي مملوءا بالحفر وبرك الماء خلال فترة الحرب ، وحين سقطت بغداد ، ودخلها الانجليز ، كانت البيوت التي هدمت اجزاؤها كما هي ، تستر العائلات عورات ما انكشف من حرماتها بالعباءات والبطانيات.وحينما كانت بغداد على وشك السقوط ، هرب رئيس بلديتها «رؤوف الجادرجي» الى استانبول ثم الى «برلين» خشية ان ينتقم الناس منه نتيجة ما فعله بهم بفتح الشارع في العهد البائد ، وعلقت يافطة باسم «جادة خليل باشا» كاسم للشارع ، على جدار جامع السيد سلطان علي.وحين دخل الانجليز بغداد ، قاموا بتعبيد الشارع ، تسهيلا لحركة قواتهم ، واطلقوا على الشارع اسم «الشارع الجديد» ، اما اسم «خليل باشا» فقد بقي معلقا على جدار الجامع لسنوات طويلة ، حتى قامت «امانة بغداد» بتغيير اسم الشارع الى «شارع الرشيد» ، الذي ما يزال قائما الى اليوم ، فأزالت يافطة «خليل باشا». اما القائد «خليل باشا» فقد عتب كثيرا على البغداديين ، واتهمهم بعدم الوفاء ، لانهم لم يحافظوا على اسمه على الشارع ، كما ذكر لاحد البغداديين الذين زاروه في استانبول بعد سنوات طويلة.سقطت بغداد في «9 نيسان» ، والآن وبعد مرور 4 أعوام على هذا السقوط ، فاننا لا نملك تفسيرا حقيقياً ومعقولا لما حدث ، ولا كيف جرى هذا السقوط ، بالرغم من تقدم وسائل الاتصال والمعلومات ، واذا كانت هناك روايات لهذا السقوط ، فهي كلها تقترب من الروايات الشعبية والاسطورية ، وهو ما يجعل سقوط بغداد الثاني ، برغم مرور عام عليه ، اكثر غموضاً.لم تتوقف الفضائيات على مدى 4 أعوام عن تقديم روايات عسكرية وشبه سياسية ، عبر الشهود لسقوط بغداد ، واذا كنا لا نملك حتى الآن ، رواية تقارب الحقيقة لما حدث في بغداد في «9 نيسان 2003» ، فاننا نملك رواية لسقوط بغداد في «11 اذار 1917». ان افضل تفصيل لسقوط بغداد الاول ، هو الذي قدمه الدكتور المرحوم علي الوردي ، في سياق تقديمه للجانب الاجتماعي لتاريخ العراق الحديث ، ولعل في استعادة بعض تفاصيل السقوط الاول لبغداد ، الكثير من العظة والفائدة.يقول الدكتور الوردي ، ان احتلال العراق وسقوط بغداد ، قد اخذا ما يقارب العام ، امتد ما بين العامين 1916 و 1917 ، صمد فيها الاتراك صمودا شديدا ، ودفعوا خسائر فادحة ، كان اكبرها في بغداد قبل سقوطها ، وذلك في موقع «دورة الخضيري وصدر الغراف» الواقع على الجانب الايمن من دجلة ، وهو آخر موقع حصين حافظ عليه الجيش التركي ، وفي اوائل العام 1917 حين سمحت القيادة العليا للجنرال «ستانلي مود» بتكبد الخسائر بشرط ان لا تتجاوز نسبتها 25% حينها ، بدأ الجنرال مود هجومه على هذا الموقع الحصين «الخضيري» الذي يقابل «الكوت» وقد كانت هذه المعركة اشد المعارك التي جرت في العراق على الاطلاق ، استبسل فيها الاتراك في الدفاع عن الموقع الذي انتهى بهزيمتهم وسقوط بغداد الفعلي بعدها.استمرت معارك «دورة الخضيري» ثلاثة اسابيع ، جرى فيها استخدام السلاح الابيض ، وقد خسر فيها الاتراك ثلثي عدد الجنود تقريبا ، وهي نسبة عالية جدا ، نادرا ، ما يستطيع اي جيش في العالم تحملها ، وقد اطلق الاتراك على تل في تلك المنطقة اسم «تل الاربعين غازيا» ، وذلك تخليدا لفوج من الاتراك لم يسلم منه في القتال سوى اربعين جنديا ، اما «الجنرال مود» ، فبالرغم من صغر مساحة الموقع ، فقط سلط عليه عددا ضخما من المدافع والقوات ، وبلغ مجموع القنابل التي قذفت على هذا الموقع خلال المعركة ، اربعين الف قذيفة ، وفي موقع «صدر الغراف» ايضا صمد الاتراك لمدة عشرة ايام ، حتى أبيد المدافعون عن الموقع ، الى درجة دفعت احد المؤرخين الانجليز للتساؤل عن سر هذا الصمود ، وسماه بأنه «لغز الالغاز».في الايام الاخيرة ، قبيل سقوط بغداد ، كان «انور باشا» قلقا من انباء المعارك على جبهة «الكوت» فوقف على رأس آلة التلغراف ليخابر «خليل باشا» في بغداد مستفسرا عن الحالة ، فأجابه «خليل باشا»: «ان الحالة جيدة وان الفيلق الثامن عشر الموجود في جبهة الكوت يكفي وحده للدفاع ، ولا حاجة لسحب الفيلق الثالث عشر من ايران» ، وبعدها بأسابيع ابرق «جمال باشا» القائد العام للقوات التركية ، من الشام الى «خليل باشا» ثانية ، يستفهم عن الحالة ، فأجابه «خليل باشا»: «ان جبهة الكوت اقوى وامتن من ذي قبل ، وذكر له قصة البطولة التي جرت حول تل الاربعين غازيا».ويصف «محمد العمري» الذي كان حينها في معية «خليل باشا»: «كنت ارى هذا الجواب وقلبي يتلهف على ذك الحال وأتأسف على تلك الاكاذيب».ويذكر الدكتور الوردي ان القوات التركية اخلت بغداد في «10 آذار» اي قبل يوم واحد من دخول الجنرال مود ، وما ان غادر قطار الجنود الاتراك بغداد حتى بدأت الانفجارات في بغداد ، اذ ان الاتراك أخذوا ينسفون مخازن الذخيرة في بغداد وجميع المنشآت العسكرية التي يمكن ان يستفيد العدو منها ، ومن المواقع التي نسفت محطة اللاسلكي ، ونسفوا «باب الطلسم» لوجود مخزن للذخيرة فيه ، وهو من ابواب بغداد القديمة ومن كنوزها الاثرية. وقد هز نسفه مدينة بغداد هزا عنيفا ، وقد احرق جسر بغداد وظلت النار تشتعل فيه طيلة الليل والنهار التالي. اما السجناء ، في ليلة سقوط بغداد فما ان سمعوا بانسحاب الحكومة ، حتى كسروا ابواب السجون ثم انطلقوا نحو الاسواق والخانات ومحلات اليهود والنصارى يكسرون اقفالها ويعيثون فيها نهبا وتخريبا ، وانضم اليهم «غوغاء» المدينة وضواحيها ، واتسع نطاق النهب في المدينة.ويصف «محمود الكبتي» احد الذين كانوا في بغداد في تلك الليلة حالة المدينة ، ويقول: «.. وشب الحريق في بعض الخانات والاسواق ، وكان سبب ذلك ، ان بعض الناهبين اوقدوا اوراقا وخرقا للاستضاءة بها اثناء النهب ، ثم رموها دون ان يهتموا بها ، فامتدت النار منها الى البضائع الموجودة ، واخذت تتسع شيئا فشيئا ، دون ان يأتي احد لاطفائها..».ويضيف الكبتي ايضا: «واستمر النهب طيلة الليل ، وعند الصباح استفحل النهب واتسع نطاقه ، لا سيما بعد ان هدأت الريح فأخذ الكثير من الاطفال والصبيان يشاركون فيه.. واصبحت دور الحكومة ودوائرها طعمة للغوغاء ، يعيثون فيها كما يشاؤون ، فلم يبق لهم فيها شيء من الكراسي والمناضد والرفوف حتى الاوراق والاضبارات بعثرت ومزقت تمزيقا ، كما حطمت الابواب والشبابيك لاستخراج الخشب والحديد منها».ويقول الدكتور الوردي ، ان اول من دخل بغداد ، هو ضابط بريطاني اسمه «الكابتن كمب» «اصبح في العام 1920 مشرفا على حكومة السلطة المحلية» ، وكان دخوله على سبيل الصدفة غير مقصود ، فهو كان تابعا للقوات الزاحفة على الجانب الشرقي من النهر ، وظل سائرا في طريقه وهو يحسب ان الجنود امامه ، فدخل بغداد وحده ، فوجد الشوارع مملوءة بالناس وهم يحيونه بحماس ، وبعد فترة قليلة من الزمن ، دخل من الباب الشرقي «الجنرال طومسون» الذي عين حاكما عسكريا لبغداد ، وهو على رأس ثلة من الخيّالة ، فكان في استقباله هناك القنصل الامريكي والقنصل الايراني وحاخام اليهود ، وعدد من الاعيان والتجار ، وهم يحملون عريضة يطلبون فيها الاسراع باحتلال بغداد لانقاذهم من عبث الغوغاء.. وقبيل ظهر ذلك اليوم صعد ضابط بريطاني الى سطح القلعة القريبة من باب المعظم فرفع عليه العلم البريطاني ، وبعد خمس واربعين دقيقة نقل العلم الى برج الساعة في ساحة القشلة ، وهذا العلم محفوظ الان في كاتدرائية كانتربري في لندن.اما كيف رأى الجنرال بغداد لحظة سقوطها ، فقد صوره ويلسون بدقة ، راسما خيبة الامل التي شعروا بها متسائلين: هل هذه هي المدينة المشهورة التي قتلنا انفسنا من اجلها؟ ويقول ويلسون: «ان مدينة بغداد كانت موضع خيبة امل مريرة للجنود ، فقد كانت القباب الذهبية في الكاظمية ، والقباب المكسوة القاشاني في بغداد «وقبر السيدة زبيدة ، واشجار النخيل الباسقة ، والبساتين الخضراء المليئة بالبرتقال والفواكه ، تبدو من بعيد رائعة ، ولكن المدينة نفسها ليس فيها شيء من الجاذبية.. وكانت معروفة بين المدن التركية بأنها لا تملك وسائل الرفاهية».في تلك الفترة ، اطلق البغداديون على عهد الاحتلال الانجليزي اسم «عهد السقوط» ولقب الاولاد الذين ولدوا في تلك الفترة بـ «اولاد السقوط». وقد كان هناك منتفعون ومتضررون من الاحتلال ، وبوجه عام كان اليهود اكثر الناس فرحا بالاحتلال الانجليزي ، وكانوا اكثر من بذل اقصى جهد في خدمة السلطة الانجليزية والتعاون معها ، وقد شاع بينهم القول المشهور: «ايش ما يقول لك الصاحب قل له يس» ، وهم الذين اطلقوا على الانجليز الكنية التي عرفوا بها في بغداد «ابو ناجي».ليس بين السقوطين تشابه؟، ولكن السقوط هو السقوط. واذا كنا لا نعرف ، حتى اليوم ، ما الذي حدث في السقوط الاخير ، فان اوضح الاشياء هو التناقض بين ما يقال ، وبين ما يحدث على الارض. ولعل اكبر دليل على ذلك ، هو اول بيان نشر في بغداد ، وعرف باسم «بيان مود» وهو بيان طويل وله قصة اطول. وقد جاء فيه ، ما يغني عن بقية القول والحديث: «اننا جئنا محررين لا فاتحين.. فيا أهل بغداد ، هيا للتعاون معنا لتحقيق اطماحكم القومية».






0 Comments:
Post a Comment