يوميات صبي حالم
مصطفى العوزي
الصباح في الكتاب شيء مختلف عن الصباح في المدرسة كما أعيش اليوم، عادة ما كنا نتوجه للكتب عند الفجر، نقطع الطريق الرابط بين منزلنا و الكتاب بعيون شبه مغمضة، علامات النوم لا تفارق جفوننا، الجو ساخن رغم بكرة الصباح، صوت خالتي أذناي ألفته منذ شهر على أقرب تحديد، تأتي فجرا بعدما تؤدي شعائر الرحمن كالعادة، توقظنا واحد تلوى الآخر، مصطفى آخرالمستيقظين، هكذا تقول خالتي كل صباح.
قليل عدد المرات التي كنت أتوضئ فيها حسب الطريقة المتعارف عليها، فقد كنت فقط أكتفي برش الماء على وجهي طمعا في أن تتطاير انكماشات النوم المتجلية على الوجه بوضوح، عادة ما كنا نشغل أنفسنا بعمل معين و نحن متوجهين إلى الكتاب، أكل الفطائر التي كانت تدسها لنا خالتي في جيوبنا، أو رمي بعضنا بعضا بالحجارة أو قذفها بالأرجل رغبة في أخذ حصة لعب ضرورية قبل الإقبال على اللوح.
عند مدخل الكتاب يقف الفقيه معتدل القامة صارم الهامة، يرتدي جلبابه الصوفي الذي طالما كان يقول لنا أنه ورثه عن جده، رجله لا تلج النعل كاملة نصف داخلة و النصف الآخر خارجه، كانت أرجله ضخمة جدا تكاد تشبه مثيلتها عند الديناصور الذي كنا نراه في أفلام الرعب الأمريكية، قلما تجد الفقيه خالي اليدين فهو دائما يحمل عصاه الرقيقة و التي كانت نقطة ضعف الجميع، يضرب بها المتأخرين من الصبية، و أحيانا يضرب بها الحائط حتى يسرع الصبية في الدخول إلى الكتاب، و بالرغم من ظهور بعض علامات الشيخوخة على فقيهنا إلا أنه مازال محتفظا بأناقته المعتدلة و التي حسب ما ترويه لنا خالتي كانت مصدر إعجاب البنات الحي به.
فللفقيه قصة فريدة مع إحدى البدويات اللواتي قدمت إلى المدينة على إثر عام الجفاف الذي حل بالبلد خلال التسعينات من القرن الماضي، فقد أعجبت هذه البدوية بالفقيه فكانت تسبق صاحبة المنزل الذي تشتغل فيه إلى إعداد فطور المسجد فتأمرها صاحبة المنزل بإيصاله إلى المسجد، و بالتالي ترى الفقيه و تتملى بطلعته البهية و ذلك كل صباح.






0 Comments:
Post a Comment