الاثنين، يناير 21، 2008

عماد أرجاز الشرفاوي

يكتب
جهة طنجة/تطوان
حتى لا تبقى الوضعية متأزمة



هذه اللقطة هي أهم ما علق بذهني من أحد الأفلام التي جرت أحداثها في جهة طنجة /تطوان، ولعلني أجزم أنها صورة تطابق
ما هو عليه حال جهة تعد اقرب نقطة إلى القارة العجوز.
المشهد لمراهقة "جبلية" رقيقة، كاعبة ومتوردة الخدين، يخفق قلبها وهي ترنو بطرفها الأزرق إلى الجندي الإسباني الوسيم، يهمس لها ب"كلمات ليست كالكلمات" بينما هي منهمكة في ملء جرتها بماء العين.من بعيد تتراءى"قلعة العسكر" وهي جاثمة فوق الموج تراقب فضاء يشبه العدم عند المغيب.
انتهى الفيلم ولسان حالي يردد: هل الاستعمار الإسباني لم يخلف في منطقة الشمال سوى الفراغ ؟ هل الوضعية الراهنة الراسخة في الفقر والتخلف ناجمة عن نموذج الاستعمار الإسباني ؟ هل الاستعمار الفاقد للتقدم بمقدوره أن يعطيه ؟؟
الصورة التي عليها جهة طنجة /تطوان الآن تشبه إلى حد بعيد ما كانت عليه بعض مدن ومناطق جارتنا الإيبيرية إبان حربها الأهلية طيلة العقود الأولى للقرن العشرين، والأحداث كثيرة تؤكد بالملموس عمق الأزمة، وتشير بما لا يدع مجالا للريب أننا نحتاج إلى مشاريع حقيقية تضع مدن الجهة في مصاف العالمية.
سكان الجهة انتظروا كثيرا مرور قطار التنمية من محطتهم والذي بمجرد وصوله تحركت آلة بناء وتشييد مشاريع اختلفت الرؤى حول جودتها وأهميتها ومدى مطابقتها لشعار "التنمية البشرية". ومع ذلك تبقى الجهة السادسة عشرة للمملكة الجهة المهمشة والمعزولة بين مثيلاتها ويبقى مرض الفساد والظواهر الشاذة ينخر جسدها وكينونتها.
"جهتنا مركز الرشوة وانعدام الأمن" هكذا كانت توصف إلى أن صور لنا ما عرف "بقناص تارغيست" السنة الماضية حالة رجل الأمن لذي يقبض بالجملة والمفرق من السيارات المارة دون أن يكلف نفسه عبئ المراقبة وما قد يخلفه ذلك من مشاكل قد تهدد امن وسلامة البلد.
أصحاب رسالة إلى التاريخ الذين كشفوا عمق أزمة القضاء بجهة طنجة/تطوان مازالوا يرددون عند كل فرصة إشكالية إصلاح جهاز؛ والذي إن فسد فسدت الدولة كلها،وهو ما جعل بأحد أصحاب تلك الرسالة يؤكد "أن المغرب ما زال بعيدا عن الانتقال الديمقراطي".
الوضعية الحقوقية بالجهة "صعبة وخطيرة" هكذا تنعت، والحكم الأخير على ما عرف بأحداث فاتح ماي الماضي ذكر الجميع بسنوات الرصاص التي عاشها الشماليين منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
الوضعية العامة لجهة طنحة/تطوان وإذا ما قورنت فقط مع وضعية مدينتي سبتة ومليلية السليبتين فهي مختلفة تماما، الزيارة الأخيرة التي قام بها "الماطدور" الإسباني للمدينتين كشفت ضعف المغرب السياسي و الدبلوماسي في التعامل مع قضية مصيرية إسمها "استكمال الوحدة الترابية للمملكة". لكن زيارة خوان كارلوس تلك بقدر ما كان لها من انعكاسات سلبية على العلاقات المغربية الإسبانية، فقد كان لها مهيج إيجابي يفرض على المغرب إعادة النظر في سياساته التنموية خصوصا في الجهة الشمالية المجاورة لسبتة و مليلية وسبل البحث عن حلول لإدماج شباب الجهة ومحاولة ثنيهم عن محاولة الانتقال إلى الضفة الأخرى.
صحيح ما يجمعنا بإسبانيا هو التاريخ والجغرافيا المشتركين، المحيط الثقافي والتلاقح الفكري والفن الأندلسي كذلك، وما على المغرب الآن إلا إتباع الوصفة التالية ليلحق بما وصلت إليه جارته الشمالية:
كمية من النضج السياسي وكمية أخرى من الجهوية الموسعة، يضاف إليهما القليل من الوحدة الوطنية وقطرات من حقوق الإنسان إضافة إلى حبيبات من الإصلاح الدستوري لتحسين المذاق، يوضع الكل في إناء الديمقراطية، يرش بماء الإصلاح المؤسساتي، يوضع على موقد الدبلوماسية الهادئ ويحرك الخليط بملعقة الحريات، يصب في صحن التنمية الإنسانية ويزين بأجود الأنظمة التعليمية والصحية ويستحسن رفقه بشراب التشغيل الساخن. الوجبة أكيد ستكون دسمة، فما علينا إلا أن نذهب للتسوق، الطريق بالفعل طويلة لكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.

0 Comments: