الأربعاء، ماي 14، 2008

دراسة اجتماعية نتائج مقلقة حول

الأطفال القاصرين غير المحميين
بالمدينة

أحمد المريني

تحاول دراسة اجتماعية صدرت بتطوان حول الأطفال القاصرين غير المحميين بالمدينة من طرف جمعية رعاية الطفولة وتوعية الأسرة . تقريب مفهوم قاصري الشوارع وتقديم وصف لحالتهم وعائلاتهم ونمط حياتهم، بالإضافة إلى الكشف عن طريق العمل الذي ينجزه مركز أنجال معهم. والدراسة وثيقة تصور ظروف عيش قاسية للقاصرين وحالاتهم المتسخة ولباسهم الرث وتعاطيهم للبغاء وإدمانهم على السموم وتعاطيهم للسرقة. وتأتي هذه الدراسة في إطار تفعيل مشروع المخطط النموذجي لتحسين ظروف العيش والإدماج الاجتماعي لأطفال الشوارع بتطوان، ينبع من صلب الإجابة على مجموعة من الضروريات الملاحظة وسط الساكنة الصغيرة والشابة بهذه المدينة . وتعتبر الدراسة التي تعد الأولى من نوعها في شمال المغرب أن (مفهوم القاصر) يتوفر على رؤى مختلفة وعديدة، ويمكن أن تختلف الأسباب من حالة لأخرى كبعد مقر العمل عن المنزل. مما يرغمه على التسكع ليلا أو نوعية العلاقة التي تجمع بين أبويه أو تأثير رفاقه عليه. والواضح بحسب الدراسة أن الحد بين "حياة الشارع" و"الحياة في الشارع" جد هشة وخادعة. فكثير من القاصرين يمرون عبر مسلسل تدريجي يبعدهم أكثر عن العائلة ويتبنون العيش في الشارع كحياة لهم . وتشير الدراسة أن أسباب التخلي عن المنزل تتركز حول الظروف الاقتصادية للعائلات التي تعيش على عتبات الفقر. بالإضافة إلى المشاكل العائلية الأخرى على صعيد العلاقة بين الأبوين، أو على صعيد تعاطي الخمر والمخدرات والدعارة. كما تتحدث الدراسة عن سبب آخر يتجلى في الهجرة القروية بمخلفاتها المتعددة، وسوء الظروف السكينة وكثرة الأخوة أو الأشخاص الذين يعيشون تحت سقف آخر . وتؤكد انطلاقا من الاستبيان العملي والاستجوابات مع المربين والمحادثات مع القاصرين، أن ظاهرة القاصرين المتجولين في خارج الوسط العائلي هي في أغلبيتها ذكورية ، مشيرة إلى أنه برزت بشوارع تطوان مؤخرا وجود فتيات في سن الخامسة عشرة بدأن يقلدن تصرفات الشارع . وتتحدث الدراسة عن وجود عدد متميز من القاصرين المنحدرين من مناطق أخرى، بالرغم من أن الأمر لا يسمح بمعرفة مجيئهم مع عائلاتهم للاستقرار بالمدينة أو أنهم انتقلوا لوحدهم . وعادة ما تبدأ أغلبية الدراسات حول القاصرين الذين يعانون من وضعية صعبة من حوالي العشر سنوات. إلا أن الدراسة تشير إلى بروز ظاهرة القاصرين الصغار الذين لاتتجاوز أعمارهم الثماني سنوات . إذا لاحظت الدراسة أن عدد القاصرين يتنامى مع تنامي السن ، إلا أنه يدل على أن المعدل متأرجح بين 13 و 16 الذي يمثل 50 في المائة من القاصرين مع تراجع المعدل انطلاقا من السن 17 . وتضع نسبة كبيرة من الإجابات القاصرين خارج المجال الدراسي وتصنفهم في خانات الأمية. وتكشف الإجابات الواردة على لسان القاصرين بوضوح عدم معرفتهم بأوضاعهم الصحية خاصة وأن التحاليل الطبية أوضحت أنهم مصابون بأمراض يعتبرونها غير خطرة. وفي هذا الصدد يقر2 فقط من بين 12 قاصرا بإصابتهم بمرض خطير ويتابعون علاجا. وحصلت الدراسة على نتائج مقلقة في محاولة إبراز المشاكل الصحية التي يعاني منه القاصرون ومن المشاكل المرصودة الأمراض الجلدية مع وقوع حالة جرب ، متاعب في الرئة وداء الربو ومشاكل تنفسية ناتجة عن كثرة استعمال المواد الإدمانية وعن ظروف العيش بالشارع ، ومن المشاكل الأخرى وجود طفيليات والروماتيزم والتبول الليلي والسنان والتسوس .وسوء التغذية وكسور وجراح وصدمات أو قضايا سيكولوجية والإدمان على المخدرات . وتذكر الدراسة أن عددا كبيرا من القاصرين لا يرفضون الحديث عن موضوع الإقامة في الشارع ، لأنها تتم تدريجيا أو لأن الأطفال يفتقدون إلى مفهوم الزمن. أو لا يملكون من الإشارة إلى السن التي لجئوا في إلى الشارع ، وتستنتج الدراسة أن وجود 180 قاصر بإقليم تطوان يعطي الحق للقول بتخفيض السن الذي يبدؤون فيه تجربتهم في الشارع ، بالإضافة إلى وجود 30 في المائة من الأطفال الذين لم يتجاوز سنهم 10 سنوات يوجدون منغمسين في ظروف تجعلهم مرشحين لحياة صعبة جدا .وتحيل هذه الإحصائيات على وضعية معروفة تتمثل في كون أغلب القاصرين يذهبون جماعة مما يوضح أن أكثر من 24 في الرئة يذهبون مع راشدين وهي نسبة ترتفع خطورة الحياة المهمشة وأيضا من حالة استغلال القاصرين . وفي هذا الخصوص يكشف 36 في المائة من المستجوبين أنهم لا يملكون أصدقاء يمكنونهم من تشكيل شبكة ضرورية للاحتماء عبرها وهذا يصور بحسب الدراسة استئصال أكثر القاصرين الذين يوجدون وسط العائلة غير قادرة على تحمل مصاريف تتبع نمو أطفالها بالإضافة إلى افتقار القاصر إلى أصدقاء يتقاسمون مع مشكل الأحاسيس . ولا يحال قاصرو الشوارع على المحكمة ، فعند اقترافهم لسرقات صغيرة تعتقلهم الشرطة وتتدخل معهم مباشرة دون إحالتهم على السلطات والمؤسسات المختصة ، فمن مجموع 132 قاصر الذين يتوفرون على ملف بمركز أنجال 23 منهم اعتقلوا من أجل التشرد ، و 18 من أجل السرقة و 6 من أجل المشاجرة . وتبدأ رحلة القاصرين مع استعمال المخدرات مع تدخين السجائر بالرغم من قلتها ، مع الإشارة إلى أن بعض القاصرين يتعلمون هذه التصرفات الإدمانية في المنزل في السابق . وأغلب القاصرين تشير الدراسة يشمون مادة يطلق عليها اسم (السيليسيون). وهي عبارة عن محلول كخلاصة ( الترمينيتن ). فقنينة منها يعادل ثمنها أربع أو خمس سجائر وهي متوفرة في جل المحلات التجارية . وتضيف الدراسة أن نتائج الاستهلاك على المدى البعيد يؤثر على تدهور الحالة الصحية وينتج إحساسا بالإعياء والكآبة والتيه المؤقت ومشاكل في الذاكرة وحدوث فترات من الغياب وتقلب المزاج وانعدام الحوافز . أما جسديا فالنتائج مرتبطة بحالات من النزيف والتهابات في الأنف وجميع أنواع المشاكل وسوء التغذية وانعدام الشهية ومشاكل في الكبد والكلي والقلب والعقل، وهذه الأعراض ناتجة كثرة استهلاك المواد السامة والانغماس في عالم التهميش التام . وتشير نسبة عالية من شهادات القاصرين إلى غياب الأب والأم، وقد تكون الإشارة إلى موت حقيقية في العائلات التي تتوفر على معيل واحد، كما أن غياب أحد الأعضاء يعني للقاصر موته. والأرقام تشير إلى أن 5.77 في المائة أي 58 قاصر فقط هم الذين أكدوا وجود أب في حالة صحية، بينما الباقي يصلون إلى 104 قاصر أشاروا إلى أن الأب يعاني من مرض مزمن أو من عاهة أو من تقدم في السن وغيرها من الأسباب. أما فيما يخص الأم، فإنهم يعتبرون صحتها عادية ( 85 من 114 حالة ). وتعتبر الوضعية الاقتصادية العائلية الأخرى التي تدفع بالقاصرين إلى التخلي عن المنزل العائلي جد مؤثرة ، فالصورة التي يحملونها عن الوضع الاقتصادي تؤثر دون شك في ذلك . وإذا كانت نسبة دون إجابة منخفضة فهناك نسبة عالية من الإجابات تعتبر أن الوضع العائلي متدهور بالرغم من أن 88 في المائة يشيرون إلى أن هناك واحد إلى ثلاثة من أفراد العائلة يشتغلون . وتعبر 23.53 في المائة من القاصرين عن رفضها التواصل مع العائلة وعدم الرغبة في رؤيتها . بينما رفضت 16.91 في المائة الإدلاء بأي رأي. وفي مقاربة لهذه الأرقام والمعلومات توضح بالتفصيل أنهم يعانون من وحدة قصوى وبالرغم من عدم توفرهم على الإمكانات والموارد اللازمة للعيش فإنهم يواجهون حياة مستقلة دون سند عائلي يوجه حياتهم . ورغم ذلك فإن 11.03 في المائة يساعدون عائلاتهم رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها . وتلخص الدراسة سبب مغادرة القاصرين للمنزل في انعدام الهيكلة العائلية وغياب احد الأدوار الأبوية والزيجات الجديدة، ومشاكل الأبوين المتمثلة في الإدمان على المخدرات والدعارة. ووجود فضاءات ضيقة بالمنزل وانعدام الحياة الشخصية بسبب العائلات المتعددة الأفراد أو عائلات مجتمعة . وانعدام الموارد المادية أو قلتها وسوء تدبيرها ، وعدم الاهتمام بالصحة العامة كسوء التغذية والنظافة .... وفي موضوع خصوصيات الاختلاف بين قاصري الشوارع تشير الدراسة أن الحالة التي يعاني منها قاصرو الشوارع بالمدن المغربية جد مماثلة. لكنها تتحدث كون مدينة تطوان تشهد بعض الاختلافات ، إذا يذهب القاصرون في جماعات صغيرة لكنها ليست عصابات منظمة ، وهذه المجموعات تتشكل من 3 إلى 4 أطفال يتحركون بطريقة مستقلة ويتوفرون على زعيم أو قائد أو يذهبون مع مجموعة من الراشدين . وهؤلاء القاصرين يدعمون بعضهم البعض منا أن لهم جماعتهم المستقرة إلا أن ينشب نزاع أو شجار بينهم فيتفرقون. وتؤكد الدراسة أن نواة القاصرين الذين يمكننا تسميتهم بقاصري الشوارع صغيرة إذ يتراوح العدد في تطوان بين 30 و 65 طفلا . وهؤلاء الأطفال تتحدث الدراسة أنهم غير عدائيين وليسوا منظمين وليست لهم منافسات أو حسابات مع العصابات ، مما يجعلهم غير معرضين للعنف ولا مرغمين لاستعمال العنف للعيش . لكن هذا لا ينفي أنهم منغمسين في عالم مليء بالصراعات . ويربح القاصرين قوت يومهم من مسح الأحذية والتسول أو مساعدة الأشخاص في الحمالة أو بيع الأكياس وقماش الورق. فليس هنا الكثير من الذين يسرقون مع أن كل شيء يبقى مقترنا بالسن.

0 Comments: