الجمعة، شتنبر 26، 2008

اللحظة الهزلية

في مسرحية المشاركة السياسية

أحمد الخمسي 

يمتد خط الانكسار الاجتماعي الأكثر خطرا على الأوضاع السياسية عبر خط الزلازل ما بين 37َ في المئة المشاركة و63 في المئة المقاطعة. وإذا اعتبرنا دور الزمن في تغيير نوعية العلاقة بين الصخرتين الأصليتين، فلا بد أن تتحول العلاقة بين الطرفين من صندوق الاقتراع إلى لحظة سياسية أخرى. يمكن أن تستمر العلاقة "السلمية" بين الطرفين. لكن التحول سيقع داخل أحدهما. لتنتهي المرحلة الحالية.

فما هي أهم معالم المرحلة الحالية؟

منها: السمعة المقبولة للدولة على الصعيد الدولي. رفقة مؤشرات سلبية على أصعدة الموارد البشرية والاقتصادية.

ومنها: اجتفاف السمعة الداخلية للدولة، ليس فقط بسبب غياب البديل السياسي الشامل في دور المؤسسات. بل انتقال التشكك إلى مستوى ما إذا كان المحيط المباشر للملك يطبق سياسة مماثلة لتلك التي كان قد اتبعها المحيط المباشر للحسن الثاني، من حيث طبقية الاختيارات الكبرى في الاقتصاد. ومنها، ربح الوقت عبر التدبير الاعلامي للسياسة الرسمية في ثنايا الفئات الديمغرافية والمناطق الجغرافية، مقابل ترك المافيا تعبث في المحميات السياسية والاقتصادية.

وفي المحصلة الإجمالية يستقر الوضع العام على خريطة مكونة من قطبين: القطب الجاذب، محور الدولة. والقطب السالب، محور المهمشين. القطب الجاذب تصل قوته إلى 37 في المائة من الناخبين. والقطب السالب، ينتشر ولو مفككا بين 63 في المئة من الناخبين.

وقد أظهر الحزب الجديد أنه بصدد عمليات جراحية جزئية لإصلاح العملية السياسية. منها العمل على تقليص التمزق الحزبي عبر امتصاص بعضها ضمن جسده المستحدث. ومنها، محاولة توسيع المشاركة في الانتخابات. ومنها، خلق فرص أفضل لأطر سياسية ذات أرصدة سياسية أفضل مما كان يعرض أمامها ضمن المتروك من الميكانزمات الموروثة من عهد الحسن الثاني. وبالتالي تحسين ظروف المشاركة الكمية والنوعية.  

إلى هنا فالنية الحسنة موجودة. لكن، ما الذي أفضى بالفاعلين السياسيين المشاركين في الانتخابات البرلمانية الجزئية الأخيرة إلى جهنم المتجلية في تقلص المشاركة رغم مشاركة صديق الملك في التعبئة الانتخابية؟

المشكلة، هي في التفصيل الموجود ما بين التحسين الكيفي والتحسين الكمي للعملية السياسية الانتخابية. إذ اعتقد أطر الحزب الجديد أن لهم كل مقومات التدخل الكيفي النوعي في العملية الانتخابية، مستصغرين الطرف الكمي المحيط بهم، مع إجازة ادعائهم طرفا قياديا نوعيا.

و الطرف الكيفي النوعي المحتمل وجوده مجسدا في الحزب الجديد، من واجبه التساؤل الآن عن سبب انهزامه في آسفي الجنوبية (السابع في ترتيب نتائج الانتخابات) وفي مراكش كيليز (رغم الدعم برموز دولية = كريستين دور السرفاتي في المهرجان المركزي)!

بل، من واجبه تعميق التساؤل حول نفسه: كيف تحول من درجة استقطاب عالية في 7/9/2007 العامة، إلى رقم مهمل عادي في انتخابات جزئية؟!

فقد كانت لحظة الإعلان عن النتائج لحظة تحول مفاجئ. لحظة صدمة. قد تكسر مرايا الآمال المستقبلية بالنسبة لكل من نشطت رغباته الإيجابية بناء على ارتباطه بحلم الحزب الجديد. كما أعادت النتائج ترتيب الأمور ضمن المجرى الفعلي لاشتغال آليات الانتخابات المبنية على عاملي المال والسلطة.

ونتمنى أن يتمكن فؤاد عالي الهمة من تجرع حصته من الغبن الانتخابي، كي يلمس أن ترهل الآليات الانتخابية أخطر من أن يتجنبها شخص بضمانات صداقة الملك.

عندئذ، سيلمس درجة الصفر التي انحدرت إليها الآليات الانتخابية من حيث تمرير الكفاءات البشرية نحو مواقع المؤسسات العليا للدولة. مما يضاعف شكلية تلك المؤسسات في نظر المواطنين. بل لا تزيد في نظرهم عن كونها وسيلة للوبيات المالية للاستزادة من مظاهر الجاه ومن وسائل ابتزاز الريع الإضافي. مما يبعد تلك المؤسسات عن صفتها الإسمية: مواقع التمثيلية الشعبية في أجهزة الدولة.

هذه اللحظة، لحظة تلمس الوعي بحقيقة المؤسسات "التمثيلية" التي لم تعد ضمن الحياة السياسية للبلد سوى لحظة هزلية من "التمثيلية" الأصلية: لعبة السلطة. أو مسرحية المشاركة السياسية.

أنا شخصيا أستنكف عادة عن التعبير عن الوجه المأساوي للحالة السياسية من الزاويةالشعبية، وأقف عند العنوان العريض: موقع السيادة الشعبية ضمن سيادة الأمة. أو نسبة السيادة الشعبية ضمن الفصل 19!

لكن، الآن وقد لمس صديق الملك أن الجهد المبذول في أقصى درجاته في نظر وبأدق الحسابات لا تأثير له على الأرض ـ اللهم إذا كانت النتائج مبرمجة مسبقا وتلك طامة أخرى! الآن، يمكن للدولة أن تستوعب من موقع التجربة أن المؤسسات التمثيلية مجرد ماكيط للتسلية رهن لعب ذوي النفوذ المالي بالدرجة الأولى. وأن العمليات الإدارية القريبة من السكان ليست سوى تقارير ورقية، تخفي اقتسام المحترفين في مفاصل الإدارة الترابية للعمليات البهلوانية بالموازاة مع الربط المسبق ما بين ذوي النفود المالي والمقاعد "المتبارى" عليها. فتصبح الانتخابات مجرد عملية إدارية لتبييض الاستحقاق المالي المسبق للمقعد البرلماني.

إن اللعبة القديمة المتداولة تحت سقف نظام الراحل الحسن الثاني (ثلث والله حتى يدوز+ وثلث والله ما يدوز+ وثلث خلليهم يطاحنو بيناتهم اشكون يدوز)، أطال الله عمر رضوان احدادو، ما زالت هي المشتغلة في الميدان. مع توضيب مرتبط بالعولمة، أي تهميش المحتوى السياسي وتقوية الدور المالي في حسابات الإدارة الترابية للداخلية. بحيث ارتفعت حصة الدورة المالية الريعية في الآليات الانتخابية منذ تم التصريح الرسمي بسقف صرف 25 مليون سنتيما من طرف المرشح البرلماني سنة 1997.

مما جعل صداقة الملك بريقا انتخابيا أغشى أبصار الناس في استعماله الأول (7/9/2007) ثم عادت العملة الرديئة الأصلية لتتابع دورها في صنع نتائج الانتخابات في الانتخابات الموالية مباشرة (19/9/2008). لكن التوسط بين صداقة الملك والانتماء القبلي لصديق الملك جر صاحبه نحو تكرار هذا المضمون المتجاوز غير الحداثي باسم سياسة القرب! ورغم ذلك انتصرت معادلة المال زائد الانتماء القبلي على معادلة صداقة الملك زائد الانتماء القبلي. لقد قيل إن الوسط القروي تحكم في صنع النتائج. ألم يعد الفلاح المغربي مدافعا عن أمير المؤمنين! أم أن الملك سيضطر لاقتسام المجالين بين الوسط المديني لصديقه والوسط القروي للعدالة والتنمية؟ مما سيضطر حزب فؤاد عالي الهمة إلى تغيير اسمه. ليترك الأصالة للحزب الأصولي المحافظ المعتدل. ويتجند لخدمة الحداثة في المدن. مما سيدفع الكل إلى مراجعة هندسة التحالفات الأساسية، ليصبح الاستقلال رفقة العدالة والتنمية، بينما يتجه الحزب الجديد نحو الليبراليين واليسار الاشتراكي ككل.

إن التعديل الدستوري مرة أخرى يمتحن حصة الجدية في توجه الدولة نحو التحديث والدمقرطة بنسبة واضحة، حتى وإن اعتبرت مطالب قوى الأصالة المحافظة، التي تتغذى سياسيا من تكرار ادعاء التمسك باختصاصات الملك.

بحيث يقتضي الأمر برسم شقي النظام السياسي، لتقوية اختصاصات الملك في الشق السيادي، وربط الشق السياسي بالأحزاب السياسية كلية. فالوضوح والتوضيح بين الساحة السيادية والساحة السياسية هو الكفيل بنزع فتيل التخوف المتبادل بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية.

وعند فك الارتباط بين المجال السيادي والمجال السياسي، كثير من الحساسيات ستتبخر وستتقوى عوامل المشاركة السياسية. لأن الروابط المؤسسية ستنشط ما بين صخرة 37 في المئة المستفيدة وبين قارة 63 في المئة المهمشة. وستتعدد الوسائط بينهما. ساعتها ستسترد الطبقة الوسطى دورها. وسيبدأ ضعف أقطاب التطرف في الكيان السياسي. عندما يتخلى الكبار عن تطرفهم في مواقع السلطة والمال. لفائدة ذوي الاستحقاق من الكفاءات المهمشة في السلطة والمال.

0 Comments: