ندوة فكرية
الأمازيغية مكون أساسي في الثقافة المغربية الأصيلة
مصطفى الصوفي
ندوة فكرية بالرباط حول المسألة الأمازيغية... وأصول المغاربة
سكان شمال إفريقيا لا يشكلون جسما متجانسا بل تجانسا عرقيا سكان المغرب الأولون ليسوا هم البرابرة بل أجناس أتت من البحر البيض المتوسط
الرباط : في إطار النقاش الساخن الذي تعرفه الساحة الثقافية المغربية حول المسألة الأمازيغية، وفي إطار الأنشطة الثقافية والفكرية التي ينظمها نادي الصحافة بالمغرب بتعاون مع العديد من الفعاليات نظمت الجمعية المغربية للصحافة الجهوية بتعاون مع النادي في الآونة الأخيرة لقاء فكريا ثقافيا خصص للحديث عن" المسالة الأمازيغية... أصول المغاربة" وتابعها الكثير الفاعلين في المجال والفعاليات والمهتمين ووسائل الإعلام العربية والمغربية
هل المؤسسة الرسمية فضاء لإنعاش الأمازيغية؟
في البداية اعتبر رئيس جلسة اللقاء الإعلامي احمد افزارن أن القضية الأمازيغية هي من القضايا العالقة التي يهتم بها الشأن الثقافي والفكري المغربي، متسائلا عن الهوية الأمازيغية هل هي قضية لغة ام قضية تاريخ أم حضارة؟ وقال افزارن في ذات السياق أن الأمازيغية لغة وتراثا تشكل رافدا من الروافد الأساسية في الثقافة المغربية الأصيلة كما تساءل ثانية عن دور المؤسسة الرسمية في تدريس اللغة الأمازيغية وإيجاد الأبحاث والدراسات الأمازيغية في إشارة الى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أحدث مؤخرا بأمر جلالة الملك محمد السادس نصره الله
وفي حديثه طرح السؤال التالي: هل المؤسسة الرسمية فضاء لإنعاش الأمازيغية؟. هل ستكون دراسة اللغة الأمازيغية بدون مراجع وعلوم ووسائل عمل؟. أين ذهب التراث الأمازيغي، والأدب والفنون الأمازيغية...الخ؟. أسئلة كثيرة طرحها الأستاذ افزارن كأحد المهتمين بالمسألة الأمازيغية والمدافعين عنها تاركا للدكتور المحاضر العربي أكنينح المحتفى به من خلال اللقاء مع إصداره الجديد المعنون ب" في المسألة المازيغية... أصول المغاربة" أمازيغ، عرب، زنوج وآخرون..." الصادر عن مطبعة آنفو ـ برانت بمدينة فاس
من جهته أبرز الإعلامي إدريس الوالي رئيس الجمعية المغربية للصحافة الجهوية أن المحاضرة التي نظمتها الجمعية لها أهداف ثقافية وعلمية وتكريمية لما للدكتور من قيمة فكرية في مجال البحث التاريخي المغربي والعربي، ولإصداره الأخير الذي ساهم في إثراء النقاش حول موضوع الأمازيغية والأصول التاريخية للمغاربة
المنهجية العقلانية للوصول الى الحقيقة
وقال الوالي أننا" نسعى الى ما يوحدنا عرب وأمازبغ... ومن ثمة فعملية الانصهار والاندماج ضرورية من أجل تحقيق الرهانات الكبرى"، مؤكدا في الآن ذاته على أهمية كتاب الدكتور في إبراز الأمازيغية بالمغرب من الناحية التاريخية، بطريقة علمية أكاديمة صرفة، عرف الدكتور من خلال مؤلفه كيف يوظف معالمها المنهجية العقلانية للوصول الى الحقيقة التي يبحث عنها المتلقي من خلال النقاش الدائر حول الأمازيغية
في مبتدأ المحاضرة القيمة قال الدكتور المحاضر أن الحديث عن الامازيغية "حديث ذو شجون" وهو المدخل القفل الذي يبيح إمكانية تعدد التأويلات، وبالتالي فإن الحديث عن المسألة الامازيغية حديث طويل لا ينتهي وفيه الكثير من الأحزان والأخطاء والجراح أيضا. كانت المقولة مفتاحا لمحاضرته في البحث عن الأصول المغربية من خلال البحوث التاريخية الشحيحة في بعض الأحيان وقال الدكتور في هذا الباب " أن كثير من المغاربة من ذوي النزعة "العروبية" "بضم العين" ولا سيما العامة من أهل فاس يعتقدون عن جهل أنهم ينحدرون من أصول عربية في حين أن شواهد التاريخ تثبث أن جذورهم أمازيغية محضة، وكثير من المغاربة من ذوي النزعة البربرية يعتزون بكونهم ينتمون الى أصول أمازيغية خالصة، في حين تؤكد مصادر مطلعة من التاريخ أن العديد من الفرق منهم ترجع أنسابها الى القبائل العربية. وعلاوة على هذا وذاك، يجهل معظم الناس أن الأمازيغ والعرب ينتمون الى سلالة واحدة هي السلالة الحامية ـ السامية، وحتى بالنسبة للشرفاء الأدارسة، ينسى الكثير أيضا أن إدريس بن إدريس ينحدر من أب عربي وأم بربرية هي كنزة النفزية. وفي هذا الإطار ـ يضيف الباحث ـ أن كتابه الجديد يسهم في إلقاء بعض الأضواء على أصول المغاربة والكشف بالتالي عن التركيبة للبادية والحاضرة المغربية على السواء، وفي الوقت الذي بدا فيه بعض الناس يعزفون على وتر ازدواج الهوية المغربية" عر ب وأمازببغ
بنسالم حميش: دراسة الأمازيغية لا تؤدي الى انشقاقات
كانت إذن البداية انطلاقة حقيقة مفصلة في تحليل محور النقاش واللقاء الفكري في المسألة الأمازيغية... في أصول المغاربة...حيث عبر الدكتور عن تبرمه مما تكتبه بعض المنابر الإعلامية المغربية، حيث ذهبت بعض المنابر الى القول بأن المسألة الأمازيغية حلبة للصراع فطرحت سؤالا عريضا هو: هل حرب الهوية ستقع في المغرب؟
وجاء في تدخل الدكتور المحاضر أن أغلب المتدخلين في الموضوع السالف مسيسين، فإذا المفكر محمد عابد الجابري يري بأن موضوع الأمازيغية أمرا محسوما فيه منذ البداية، فإن المفكر و الروائي بنسالم حميش يرى أن تدريس اللغة الأمازيغية والتعصب الموجود في الساحة بين المهتمين والأمازيغيين لا يؤدي الى انشقاقات، في حين رأى الدكتور المحاضر أنه من الضروري التركيز على الجانب التاريخي للبحث في الأصول، التاريخ الو ضيفي، ولفهم الماضي يقول" يجب فهم الماضي وما يحدث الآن له علاقة وطيدة بالماضي وإسقاطاته على الحاضر والمستقبل" .وقبل الدخول في صلب الموضوع وتحليليه تحليلا منطقيا وعلميا أوضح الدكتور في اللقاء الأهمية التي تفرضها المنطلقات المنهجية الأساسية للبحث في الإشكالية الأمازيغية، والمنهج هو الطريق المستقيم والسهل للوصول الى الحقيقة، وعند ابن خلدون فالتاريخ نظر وتحقيق وتعليل للكائنات، فهم أصيل وعريق، وله علاقة بالحكمة والفلسفة
ثلاث روايات لفهم أصول المغاربة
وقال المحاضر أن الأخطاء المرتكبة الآن لها علاقة مباشرة بالمنهج والخطأ لا يأتي من العقل فحسب بل من المنهج. ومن هنا فالمسألة الأمازيغية بالمغرب إذا لم تسلك الطريق القويم، طريق المنهج تسقط في الخطأ، وضروري من غربال العقل للوصول الى الحقيقة، وعلل ذلك بمقولة لكار ل ماركس تقول: "كل ما هو موجود في الكون منظم بقوانين وعلى الإنسان أن يكتشف ذلك". وأكد على أن سكان المغرب الأولون ليسوا هم "البرابرة"، بل جنس من حوض البحر الأبيض المتوسط، وللوصول الى مجموعة من الحقائق التاريخية للمسألة الأمازيغية، بحث الدكتور أكنينح في ثلاثة ميكانيزمات أساسية حسب الروايات الثلاث التي صنفها وهي:ـ الرواية الاستعمارية ـ الرواية التقليدية .ـ الرواية العلمية
في الرواية الأولى وهي المتعلقة بالرواية الاستعمارية عاد الدكتور الى التاريخ الجزائري كمنطقة حساسة في شمال إفريقيا وذلك من خلال العلاقة غير المتجانسة التي كانت تربط المستعمر الفرنسي بالجزائريين" الأمازيغيين"، وتبين من خلال العديد من الدراسات أن بنية "منطقة القابل" تشكل وحدة أمازيغية لا يمكن تكسيرها أو تفتيتها، فالشعب الجزائري من هذا المنطلق خليط من الأجناس من كثلة غير مجانسة، فجاءت الأيديولوجية الاستعمارية لإيجاد شرخ وتصدع في الجسم الجزائري، وفي المغربي ومنذ 1914 بدأ الاستعمار يفكر في عزل "البربر" وزعموا أن" البربر" غير مسلمين وإسلامهم مجرد طلاء سطحي، وأنهم ينحدرون من اصل أوربي. كما أخذ المعمر بدراسة الحياة الثقافية للبرابرة من خلال أعراف السكان في الأطلس، حفظوها ودونوها، وقالوا في الأخير بوجود تقارب ثقافي مع الفرنسيين في هذا المجال، وحين جمعوا التراث الأمازيغي قالوا أن الأمازيغية لهجة وليست لغة، لأن ليس لها حرف، وبالتالي أعطوها حرفا لاتينيا، وفي الجزائر تم أسس المعمر مجلة مكتوبة بالحرف اللاتيني.أهداف الرواية الاستعمارية غير نبيلة
الأصول عربية مشرقية سامية
هكذا أكد المحاضر انه ارتكبت العديد من الأخطاء وأن لفظ "بربر" لفظ قدحي وتعني الشعب المتوحش الأقل حضارة من اليونان والرومان. واستطرد المحاضر في تحليله للقسم الأول من الرواية الاستمعارية ذات الأهداف غير النبيلة، وهي رواية مليئة بالأخطاء المنهجية والتي لا تخدم إلا مصلحتها الخاصة، متحدثا عن بلاد " السيبة" وبلاد المغرب والصراع القائم بين البدو والحاضر والمناطق النافعة وغير النافعة، وفرنسا أوجدت إسقاطاتها على الحاضر والمستقبل الاستعماري من اجل أهداف معروفة.وما كان في المغرب وقع في الجزائر وتونس ولبنان، وما الصراعات ـ يقول الدكتور التي كانت في لبنان ما بين 1975 الى 1985 إلا صورة من تلك الإسقاطات الاستعمارية، وفي المغرب خلال القرن 19 فالقبيلة البربرية هي القبيلة المنتفضة الخارجة عن طاعة النظام...إنها روايات استعمارية خلفت العديد من السليبات والإسقاطات
بخصوص القسم الثاني المتعلق بالرواية التقليدية التقليدية، أوضح الدكتور المحاضر أن الأصول عربية شرقية سامية، وكان هدف الطبري الذي عاش في نهاية القرن الثالث وبداية الرابع الهجري يؤسس لمفهوم الأمة الإسلامية الكبرى، وبالتالي على الجميع فرس وأتراك وعرب وأمازيغ أن يذوبوا في مفهوم الأمة الإسلامية. كما تطرق الى مفهوم البيعة السياسية ومن أهم شروطها" عربي، نسب شريف، قرشي.. "ومن هذا المنطلق قامت الدولة السعدية والعلوية
تداخل الجينات حسب علماء الأنتربولوجيا
أما بخصوص القسم الثالث الذي يتعلق بالرواية العلمية فقد أكد الدكتور أنها رواية عقلانية تعتمد على مناهج جديدة للوصول الى الحقيقة، ومن هذا المنطلق ركز بالأساس على: الحفريات ـ الاريكيولوجيا ـ علم الانتروبولوجيا ـ مقارنة اللغات بالإضافة إلى الحياة الثقافية ـ سمات مشتركة" الهوية". بالنسبة للحفريات في دراسة التاريخ الأمازيغي بالمغرب أوضح المحاضر انه عثر في الجزائر والمغرب وليبيا وفلسطين واليمن علي أربعة جماجم، وبعد دراستها وجد تطابق مطلق بينها. و في المجال الانتروبولوجي درس علماء من فرنسا العديد من الحالات" الطول، القصر، الرأس، الأنف.، اللون،..." ولا حظوا أن سكان شمال إفريقيا لا يشكلون جسما متجانسا بل تجانسا عرقيا. على مستوى اللغات درس الفرنسيون العديد من الحروف الحلقية" ح ـ خ ـ غ ـ ع همزة" وقارنوها بالأمازيغية والعربية، هذا بالإضافة الى دراسات أخرى عن" تيفيناغ" وعلاقاتها بالفينيقية والبونيقية والآرامية... هذا دون نسيان أبحاث أخرى من أجل الوصول الى الحقيقية. وعلي المستوى الجيني أبرز الدكتور من خلال مجموعة من الدراسات حول الجينات العربية والبربرية وتأكد بأنه لا توجد حدود جينية بل هناك تداخلا، وعدم وجود تجانس عند سكان شمال إفريقيا
حومة الأندلس بفاس
وفي خلاصة للمحاضرة التي ألقاها الدكتور قال ثانية أن سكان المغربي الأولون ليسوا هم البرابرة بل سكان وأجناس من البحر الأبيض المتوسط أتوا عبر موجلات قديمة من الساحل وهي أجناس مكونة من: العنصر الفينيقي منذ القرن 12 قبل الميلاد ـ بقايا الوندال والبيزنطيين ـ عناصر من الفتح عريب ومشارقة هجرة بني هلال وبني سليل، في الجنوب والغرب. ـ عناصر أندلسية ففتح الأندلس عن طريق العرب البربر ودام الإسلام هناك ثمانية قرون ذهبت قبائل برمتها الى أوربا وتزوج المهاجرون القوطيات. ـ هناك أيضا هجرة عكسية من الأندلس الى المغرب" حومة الأندلس بفاس كنموذج". ـ موجة الموريسكيين الذين استقروا في بعض المدن المغربية كسلا والرباط وتطوان... هكذا كانت محاضرة الدكتور أكنينح التي لامس من خلال منطقها ومنهجها التاريخي تقريب الصورة للمتلقي للمسألة الأمازيغية في الأصول المغربية. وإذا كان الدكتور المحاضر الذي لامس الموضوع من خلال الروايات الثلاث الاستعمارية والتقليدية و العلمية كمنطلقات للبحث للوصول الى الحقيقة عبر منهجية عقلية، فانه على الاقل ألقى بعضا من الضوء على الأصول المغربية، وكانت المحاضرة أرضية للنقاش ساهم فيها المتدخلون كل حسب مرجعيته الثقافية واللغوية والسياسية وعلاقته بالامازيغية، كذلك من أجل إعطاء صورة مجسمة للمسألة الأمازيغية في المغرب التي تعرف العديد من النقاش والصراع قد يضيع بين الأحيان حين يتم تغليب الجانب الذاتي على الموضوعي. وإذا كان المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كواحد من المؤسسات الثقافية التي جعلها جلالة الملك محمد السادس فضاء للحوار الهادي، والنقاش المستفيض من أجل الرقي بالمسألة الأمازيغية الى مصاف القضايا الكبرى ذات الارتباط الوثيق بالثقافة والحضارة الوطنية، فإن على المؤسسة أن تحل العديد من القضايا المتعلقة بالأمازيغية، وهو طرح ألح عليه الأستاذ احمد إفزران، الذي دعا إلى إخراج العديد من الأفكار إلى حيز الوجود وتطبيقها على أرض الواقع مثل تدريس الأمازيغية، فقد أعطينا الأوامر للتدريس لكن لا توجد قواميس ووسائل ـ يضيف إفزران ـ.وقال أن سؤال ماذا فعل "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" يجب أن يطرح على الحكومة وفي البرلمان. تحليل تاريخي مبني على الموضوعيةوفي جوابه على أبعض الأسئلة المطروحة المطروحة أوضح الدكتور المحاضر أن تاريخ المغرب القديم مجهول، التاريخ العام، وليس الخاص، واستمر ذلك إلى أواسط السبعينات حيث جاءت كتابات احمد التوفيق، وقلتها دراسات العربي الرتين والخطيبي وجميل عياش. وقال إن وثائق الماضي لم تصل لوجود مجتمع غير مستقر بسبب الحروب، وإن قوة الدولة الأمريكية في تنوعها الإثني وليس في الصراع القبلي والعرقي، مستندا على ذلك بما يقع في السودان مثلا. على العموم يمكن استنتاج ما جرى في اللقاء، إن المسألة الأمازيغية، مسألة تهم جميع المغاربة، مفكرين، وسياسيين وجمعويين والدكتور المحاضر في من خلال اللقاء، قدم نموذجا حيا لتحليل تاريخي مبني على الثقافة والموضوعية، وبالتالي فإن أهمية معرفة الجذور والأصول، مسألة طبيعية يحتمها الجانب الابستمولوجي للمتلقي كيفما كانت مرجعيته، كل ذلك من أجل إثراء الخطاب الثقافي الأمازيغي بشكل عام، وثانيا لفسح المجال أمام العديد من الباحثين والمهتمين لتقديم وجهات نظرهم في الموضوع. الأهم من هذا أن الأمازيغية في المغرب مكون أساسي في الثقافة المغربية برمتها، والمغرب كفضاء منفتح على تعدد الأجناس واللغات والديانات، بلد عربي إسلامي يؤمن بقيم التسامح والتعايش الكوني، بلد السلم والسلام، والثقافات المتنوعة والخصبة ليس على المستوى المحلي والوطني بل العالمي






0 Comments:
Post a Comment